وقيل : المراد بالنهي المنع عن صرف المال فيما لا يرضاه الله. وبالتجارة صرفه فيما يرضاه. وقرأ الكوفيون (تِجارَةً) بالنصب على كان الناقصة وإضمار الإسم أي إلا أن تكون التجارة أو الجهة تجارة. (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) بالبخع كما تفعله جهلة الهند ، أو بإلقاء النفس إلى التهلكة. ويؤيده ما روي : أن عمرو بن العاص تأوله التيمم لخوف البرد فلم ينكر عليه النبي صلىاللهعليهوسلم أو بارتكاب ما يؤدي إلى قتلها. أو باقتراف ما يذللها ويرديها فإنه القتل الحقيقي للنفس. وقيل المراد بالأنفس من كان من أهل دينهم ، فإن المؤمنين كنفس واحدة. جمع في التوصية بين حفظ النفس والمال الذي هو شقيقها من حيث إنه سبب قوامها استبقاء لهم ريثما تستكمل النفوس ، وتستوفي فضائلها رأفة بهم ورحمة كما أشار إليه بقوله : (إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً) أي أمر ما أمر ونهى عما نهى لفرط رحمته عليكم. وقيل : معناه إنه كان بكم يا أمة محمد رحيما لما أمر بني إسرائيل بقتل الأنفس ونهاكم عنه.
(وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً)(٣٠)
(وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ) إشارة إلى القتل ، أو ما سبق من المحرمات. (عُدْواناً وَظُلْماً) إفراطا في التجاوز عن الحق وإتيانا بما لا يستحقه. وقيل أراد بالعدوان التعدي على الغير ، وبالظلم ظلم النفس بتعريضها للعقاب. (فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً) ندخله إياها. وقرئ بالتشديد من صلى ، وبفتح النون من صلاه يصليه. ومنه شاة مصلية ، ويصليه بالياء والضمير لله تعالى أو لذلك من حيث إنه سبب الصلي. (وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً) لا عسر فيه ولا صارف عنه.
(إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً)(٣١)
(إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ) كبائر الذنوب التي نهاكم الله ورسوله عنها ، وقرئ «كبير» على إرادة الجنس. (نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) نغفر لكم صغائركم ونمحها عنكم.
واختلف في الكبائر ، والأقرب أن الكبيرة كل ذنب رتب الشارع عليه حدا أو صرح بالوعيد فيه. وقيل ما علم حرمته بقاطع. وعن النبي صلىاللهعليهوسلم «أنها سبع : الإشراك بالله ، وقتل النفس التي حرم الله ، وقذف المحصنة ، وأكل مال اليتيم ، والربا ، والفرار من الزحف ، وعقوق الوالدين». وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : (الكبائر إلى سبعمائة أقرب منها إلى سبع). وقيل أراد هاهنا أنواع الشرك لقوله : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) وقيل صغر الذنوب وكبرها بالإضافة إلى ما فوقها وما تحتها ، فأكبر الكبائر الشرك وأصغر الصغائر حديث النفس وبينهما وسائط يصدق عليها الأمران ، فمن عن له أمران منها ودعت نفسه إليهما بحيث لا يتمالك فكفها عن أكبرهما كفر عنه ما ارتكبه لما استحق من الثواب على اجتناب الأكبر. ولعل هذا مما يتفاوت باعتبار الأشخاص والأحوال ، ألا ترى أنه تعالى عاتب نبيه عليه الصلاة والسلام في كثير من خطراته التي لم تعد على غيره خطيئة فضلا عن أن يؤاخذه عليها. (وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً) الجنة وما وعد من الثواب ، أو إدخالا مع كرامة. وقرأ نافع هنا وفي الحج بفتح الميم وهو أيضا يحتمل المكان والمصدر.
(وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَسْئَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً)(٣٢)
(وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ) من الأمور الدنيوية كالجاه والمال ، فلعل عدمه خير والمقتضي للمنع كونه ذريعة إلى التحاسد والتعادي ، معربة عن عدم الرضا بما قسم الله له ، وأنه تشه لحصول