الروحاء ندموا وهموا بالرجوع ، فبلغ ذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم فندب أصحابه للخروج في طلبه وقال لا يخرجن معنا إلا من حضر يومنا بالأمس ، فخرج عليه الصلاة والسلام مع جماعة حتى بلغوا حمراء الأسد. وهي على ثمانية أميال من المدينة. وكان بأصحابه القرح فتحاملوا على أنفسهم حتى لا يفوتهم الأجر ، وألقى الله الرعب في قلوب المشركين فذهبوا) فنزلت.
(الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) (١٧٣)
(الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ) يعني الركب الذين استقبلوهم من عبد قيس أو نعيم بن مسعود الأشجعي ، وأطلق عليه الناس لأنه من جنسهم كما يقال فلان يركب الخيل وماله إلا فرس واحد لأنه انضم إليه ناس من المدينة وأذاعوا كلامه. (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ) يعني أبا سفيان وأصحابه روي : أنه نادى عند انصرافه من أحد : يا محمد موعدنا موسم بدر القابل إن شئت فقال عليه الصلاة والسلام : إن شاء الله تعالى ، فلما كان القابل خرج في أهل مكة حتى نزل بمر الظهران فأنزل الله الرعب في قلبه وبدا له أن يرجع ، فمر به ركب من عبد قيس يريدون المدينة للميرة فشرط لهم حمل بعير من زبيب أن ثبطوا المسلمين. وقيل : لقي نعيم بن مسعود وقد قدم معتمرا فسأله ذلك والتزم له عشرا من الإبل ، فخرج نعيم فوجد المسلمين يتجهزون فقال لهم أتوكم في دياركم فلم يفلت منكم أحد إلا شريد أفترون أن تخرجوا وقد جمعوا لكم ففتروا ، فقال عليهالسلام : والذي نفسي بيده لأخرجن ولو لم يخرج معي أحد فخرج في سبعين راكبا وهم يقولون حسبنا الله. (فَزادَهُمْ إِيماناً) الضمير المستكن للمقول أو لمصدر قال أو لفاعله إن أريد به نعيم وحده ، والبارز للمقول لهم والمعنى : إنهم لم يلتفتوا إليه ولم يضعفوا بل ثبت به يقينهم بالله وازداد إيمانهم وأظهروا حمية الإسلام وأخلصوا النية عنده ، وهو دليل على أن الإيمان يزيد وينقص ويعضده قول ابن عمر رضي الله عنهما(قلنا يا رسول الله الإيمان يزيد وينقص ، قال : نعم يزيد حتى يدخل صاحبه الجنة وينقص حتى يدخل صاحبه النار) وهذا ظاهر إن جعل الطاعة من جملة الإيمان وكذا إن لم تجعل فإن اليقين يزداد بالإلف وكثرة التأمل وتناصر الحجج. (وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ) محسبنا وكافينا ، من أحسبه إذا كفاه ويدل على أنه بمعنى المحسب إنه لا يستفيد بالإضافة تعريفا في قولك هذا رجل حسبك. (وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) ونعم الموكول إليه هو.
(فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ(١٧٤) إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)(١٧٥)
(فَانْقَلَبُوا) فرجعوا من بدر. (بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ) عافية وثبات على الإيمان وزيادة فيه. (وَفَضْلٍ) وربح في التجارة فإنهم لما أتوا بدرا وأوفوا بها سوقا فاتجروا وربحوا. (لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ) من جراحة وكيد عدو. (وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللهِ) الذي هو مناط الفوز بخير الدارين بجراءتهم وخروجهم. (وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) قد تفضل عليهم بالتثبيت وزيادة الإيمان والتوفيق للمبادرة إلى الجهاد ، والتصلب في الدين وإظهار الجراءة على العدو ، وبالحفظ عن كل ما يسوءهم ، وإصابة النفع مع ضمان الأجر حتى انقلبوا بنعمة من الله وفضل. وفيه تحسير للمتخلف وتخطئة رأيه حيث حرم نفسه ما فازوا به.
(إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ) يريد به المثبط نعيما أو أبا سفيان ، والشيطان خبر (ذلِكُمُ) وما بعده بيان لشيطنته أو صفته وما بعده خبر ، ويجوز أن تكون الإشارة إلى قوله على تقدير مضاف أي إنما ذلكم قول الشيطان يعني إبليس عليه اللعنة. (يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ) القاعدين عن الخروج مع الرسول ، أو يخوفكم أولياؤه الذين هم