لما روي (أن رجلا قال لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : السلام عليك. فقال : وعليك السلام ورحمة الله. وقال آخر : السلام عليك ورحمة الله فقال : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته. وقال آخر : السلام عليك ورحمة الله وبركاته. فقال : وعليك. فقال الرجل : نقصتني فأين ما قال الله تعالى وتلا الآية. فقال صلىاللهعليهوسلم : إنك لم تترك لي فضلا فرددت عليك مثله. وذلك لاستجماعه أقسام المطالب السلامة عن المضار وحصول المنافع وثباتها ومنه قيل ، أو للترديد بين أن يحيى المسلم ببعض التحية وبين أن يحيى بتمامها ، وهذا الوجوب على الكفاية وحيث السلام مشروع فلا يرد في الخطبة ، وقراءة القرآن ، وفي الحمام ، وعند قضاء الحاجة ونحوها. والتحية في الأصل مصدر حياك الله على الإخبار من الحياة ، ثم استعمل للحكم والدعاء بذلك ، ثم قيل لكل دعاء فغلب في السلام. وقيل المراد بالتحية العطية وواجب الثواب أو الرد على المتهب ، وهو قول قديم للشافعي رضي الله تعالى عنه. (إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً) يحاسبكم على التحية وغيرها.
(اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثاً) (٨٧)
(اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) مبتدأ وخبر ، أو (اللهُ) مبتدأ والخبر (لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) أي الله ، والله ليحشرنكم من قبوركم إلى يوم القيامة ، أو مفضين إليه أو في يوم القيامة ، ولا إله إلّا هو ، اعتراض. والقيام والقيامة كالطلاب والطلابة وهي قيام الناس من القبور أو للحساب. (لا رَيْبَ فِيهِ) في اليوم أو في الجمع فهو حال من اليوم ، أو صفة للمصدر (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثاً) إنكار أن يكون أحد أكثر صدقا منه ، فإنه لا يتطرق الكذب إلى خبره بوجه لأنه نقص وهو على الله محال.
(فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً)(٨٨)
(فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ) فما لكم تفرقتم في أمر المنافقين. (فِئَتَيْنِ) أي فرقتين ولم تتفقوا على كفرهم ، وذلك أن ناسا منهم استأذنوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم في الخروج إلى البدو لاجتواء المدينة ، فلما خرجوا لم يزالوا رحلين مرحلة مرحلة حتى لحقوا بالمشركين ، فاختلف المسلمون في إسلامهم. وقيل نزلت في المتخلفين يوم أحد ، أو في قوم هاجروا ثم رجعوا معتلين باجتواء المدينة والاشتياق إلى الوطن ، أو قوم أظهروا الإسلام وقعدوا عن الهجرة. و (فِئَتَيْنِ) حال عاملها لكم كقولك : ما لك قائما. و (فِي الْمُنافِقِينَ) حال من (فِئَتَيْنِ) أي متفرقتين فيهم ، أو من الضمير أي فما لكم تفترقون فيهم ، ومعنى الافتراق مستفاد من (فِئَتَيْنِ). (وَاللهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا) ردهم إلى حكم الكفرة ، أو نكسهم بأن صيرهم للنار. وأصل الركس رد الشيء مقلوبا. (أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللهُ) أن تجعلوه من المهتدين. (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً) إلى الهدى.
(وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ حَتَّى يُهاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً)(٨٩)
(وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا) تمنوا أن تكفروا ككفرهم. (فَتَكُونُونَ سَواءً) فتكونون معهم سواء في الضلال ، وهو عطف على تكفرون ولو نصب على جواب التمني لجاز. (فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ حَتَّى يُهاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) فلا توالوهم حتى يؤمنوا وتتحققوا إيمانهم بهجرة هي لله ورسوله لا لأغراض الدنيا ، وسبيل الله ما أمر بسلوكه. (فَإِنْ تَوَلَّوْا) عن الإيمان الظاهر بالهجرة أو عن إظهار الإيمان. (فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ