وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)(٤٩)
ونعلّمه الكتاب والحكمة والتّوراة والإنجيل كلام مبتدأ ذكر تطييبا لقلبها وإزاحة لما همها من خوف اللوم لما علمت أنها تلد من غير زوج ، أو عطف على يبشرك ، أو وجيها و (الْكِتابَ) الكتبة أو جنس الكتب المنزلة. وخص الكتابان لفضلهما. وقرأ نافع وعاصم (وَيُعَلِّمُهُ) بالياء.
(وَرَسُولاً إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) منصوب بمضمر على إرادة القول تقديره : ويقول أرسلت رسولا بأني قد جئتكم ، أو بالعطف على الأحوال المتقدمة مضمنا معنى النطق فكأنه قال : وناطقا بأني قد جئتكم ، وتخصيص بني إسرائيل لخصوص بعثته إليهم أو للرد على من زعم أنه مبعوث إلى غيرهم. (أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ) نصب بدل من أني قد جئتكم ، أو جر بدل من آية ، أو رفع على هي أني أخلق لكم والمعنى : أقدر لكم وأصور شيئا مثل صورة الطير ، وقرأ نافع إني بالكسر (فَأَنْفُخُ فِيهِ) الضمير للكاف أي في ذلك الشيء المماثل. (فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللهِ) فيصير حيا طيارا بأمر الله ، نبه به على أن إحياءه من الله تعالى لا منه. وقرأ نافع هنا وفي المائدة «طائرا» بالألف والهمزة. (وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ) الأكمه الذي ولد أعمى أو الممسوح العين. روي : أن ربما كان يجتمع عليه ألوف من المرضى من أطاق منهم أتاه ومن لم يطق أتاه عيسى عليه الصلاة والسلام وما يداوي إلا بالدعاء. (وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللهِ) كرر بإذن الله دفعا لتوهم الألوهية ، فإن الإحياء ليس من جنس الأفعال البشرية. (وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ) بالمغيبات من أحوالكم التي لا تشكون فيها. (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) موفقين للإيمان فإن غيرهم لا ينتفع بالمعجزات ، أو مصدقين للحق غير معاندين.
(وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ)(٥٠)
(وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ) عطف على (رَسُولاً) على الوجهين ، أو منصوب بإضمار فعل دل عليه (قَدْ جِئْتُكُمْ) أي وجئتكم مصدقا. (وَلِأُحِلَّ لَكُمْ) مقدر بإضماره ، أو مردود على قوله : (أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ) ، أو معطوف على معنى (مُصَدِّقاً) كقولهم جئتك معتذرا ولأطيب قلبك. (بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ) أي في شريعة موسى عليه الصلاة والسلام كالشحوم والثروب والسمك ولحوم الإبل والعمل في السبت ، وهو يدل على أن شرعه كان ناسخا لشرع موسى عليه الصلاة والسلام ولا يخل ذلك بكونه مصدقا للتوراة ، كما لا يعود نسخ القرآن بعضه ببعض عليه بتناقض وتكاذب ، فإن النسخ في الحقيقة بيان وتخصيص في الأزمان (وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ).
(إِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ)(٥١)
(إِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) أي جئتكم بآية أخرى ألهمنيها ربكم وهو قوله : (إِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ) فإنه دعوة الحق المجمع عليها فيما بين الرسل الفارقة بين النبي والساحر ، أو جئتكم بآية على أن الله ربي وربكم وقوله : (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) اعتراض والظاهر أنه تكرير لقوله : (قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) أي جئتكم بآية بعد أخرى مما ذكرت لكم ، والأول لتمهيد الحجة والثاني لتقريبها إلى الحكم ولذلك رتب عليه بالفاء قوله تعالى : (فَاتَّقُوا اللهَ) أي لما جئتكم بالمعجزات الظاهرة والآيات الباهرة فاتقوا الله في المخالفة وأطيعون فيما أدعوكم إليه ، ثم شرع في الدعوة وأشار إليها بالقول المجمل فقال : (إِنَّ اللهَ رَبِّي