(إِنْ تُبْدُوا خَيْراً) طاعة وبرا. (أَوْ تُخْفُوهُ) أو تفعلوه سرا. (أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ) لكم المؤاخذة عليه ، وهو المقصود وذكر إبداء الخير وإخفائه تشبيب له ، ولذلك رتب عليه قوله. (فَإِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً) أي يكثر العفو عن العصاة مع كمال قدرته على الانتقام فأنتم أولى بذلك ، وهو حث للمظلوم على العفو بعد ما رخص له في الانتظار حملا على مكارم الأخلاق.
(إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً (١٥٠) أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً)(١٥١)
(إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ) بأن يؤمنوا بالله ويكفروا برسله. (وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ) نؤمن ببعض الأنبياء ونكفر ببعضهم. (وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً) طريقا وسطا بين الإيمان والكفر ، ولا واسطة : إذ الحق لا يختلف فإن الإيمان بالله سبحانه وتعالى لا يتم إلا بالإيمان برسله وتصديقهم فيما بلغوا عنه تفصيلا أو إجمالا ، فالكافر ببعض ذلك كالكافر بالكل في الضلال كما قال الله تعالى : (فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ).
(أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) هم الكاملون في الكفر لا عبرة بإيمانهم هذا. (حَقًّا) مصدر مؤكد لغيره أو صفة لمصدر الكافرين بمعنى : هم الذين كفروا كفرا حقا أي يقينا محققا. (وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً).
(وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً)(١٥٢)
(وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ) أضدادهم ومقابلوهم ، وإنما دخل بين على أحد وهو يقتضي متعددا لعمومه من حيث إنه وقع في سياق النفي. (أُولئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ) الموعودة لهم وتصديره بسوف لتأكيد الوعد والدلالة على أنه كائن لا محالة وإن تأخر. وقرأ حفص عن عاصم وقالون عن يعقوب بالياء على تلوين الخطاب. (وَكانَ اللهُ غَفُوراً) لما فرط منهم. (رَحِيماً) عليهم بتضعيف حسناتهم.
(يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ وَآتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً)(١٥٣)
(يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ) نزلت في أحبار اليهود قالوا : إن كنت صادقا فائتنا بكتاب من السماء جملة كما أتى به موسى عليهالسلام ، وقيل : كتابا محررا بخط سماوي على ألواح كما كانت التوراة ، أو كتابا نعاينه حين ينزل ، أو كتابا إلينا بأعياننا بأنك رسول الله. (فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ) جواب شرط مقدر أي : إن استكبرت ما سألوه منك فقد سألوا موسى عليهالسلام أكبر منه ، وهذا السؤال وإن كان من آبائهم أسند إليهم لأنهم كانوا آخذين بمذهبهم تابعين لهديهم. والمعنى إن عرقهم راسخ في ذلك وأن ما اقترحوه عليك ليس بأول جهالاتهم وخيالاتهم. (فَقالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً) عيانا أي أرناه نره جهرة ، أو مجاهرين معاينين له. (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ) نار جاءت من قبل السماء فأهلكتهم. (بِظُلْمِهِمْ) بسبب ظلمهم وهو تعنتهم وسؤالهم ، ما يستحيل في تلك الحال التي كانوا عليها وذلك لا يقتضي امتناع الرؤية مطلقا. (ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ) هذه الجناية الثانية التي اقترفها أيضا أوائلهم ، والبينات ،