عدم مجيئهم للاستعانة على المغفرة باستغفار الرسول. وهذا يكفي في الحجة والدلالة على ان الإعانة ليست بجميع أقسامها منحصرة بالله. وعلى انه لا يلزمنا أن نقصر استعانتنا بقول مطلق على الله. وتفصيل ذلك هو انا ننظر إلى استعانات البشر قولا وعملا فنراها تكون على نحوين (النحو الأول) هو الاستعانة بالوسائل المجعولة من الله لنيل المقصود التي هي وما فيها من التسبيب من جعل الله وخلقه. (والنحو الثاني) هو الاستعانة بالإله بما هو إله معين بإلهيته وقدرته الذاتية المطلقة الفائقة. ولا ريب في ان النحو الثاني من الاستعانة هو المتيقن في قصره على الله. لأن الاستعانة بهذا النحو إذا كانت بغير الله كانت تأليها لذلك الغير واشراكا بالله. ومما ذكرنا من الآية والسيرة واقتران (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) في سياق توحيد الله وتمجيده بالمجد الإلهي تقوم الحجة وتتضح الدلالة على ان هذا النحو من الاستعانة هو تمام المقصور على الله دون النحو الأول
الاستشفاع إلى الله
ولا ريب في أن الاستشفاع إلى الله في دعائه والتوسل إليه بالنبي (ص) والأئمة والأولياء في الحوائج إنما هو من الاستعانة بالنحو الأول. وإنك إذا سألت حتى من الهمج عما يفعلون في توسلهم بالنبي (ص) والأئمة والأولياء قالوا انا نستشفع بهم إلى الله ونقدمهم أمام تضرعاتنا اليه لكرامتهم عليه ووجاهتهم عنده لأنهم من عباده المكرمين. فإن قلت لهم انكم ربما تخاطبونهم بالتضرع والتمجيد وطلب الحاجة منهم فما هذا. قالوا لك تخاطبهم بالضراعة ليشفعوا وبالتمجيد بما هم أهل له احتراما لمقامهم عند الله وبطلب الحاجة منهم إلحاحا عليهم وتأكيدا في الاستشفاع. وبيانا لأن شفاعتهم وسيلة ناجحة كما تقول لمقرّب الملك فيما يرجع أمره إلى الملك أريد هذا الأمر منك. فإن قلت لهم هلا تسألون طلباتكم منهم. قالوا لك كيف وإنهم بشر لا يقدرون على ما يختص الله بالقدرة عليه من حيث الإلهية ولا إله إلا الله : فإن قيل ان الله ارحم الراحمين فما هي الحاجة إلى الاستشفاع. قلنا شرع الاستشفاع لأجل الحكمة التي شرع لأجلها الدعاء كما قال الله وهو أرحم الراحمين عالم الغيب والشهادة في سورة المؤمن ٦٢ (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) ـ ٦٧ (فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) وفي سورة الأعراف ٢٨ (وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) ـ ٥٤ (وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً) فإن دعاء الله تمرين على عبادته والالتجاء اليه والفزع إلى إلهيته وقدرته ... فإن قيل أين شرع الاستشفاع. قلنا يكفي في الدلالة