عليهمالسلام وجرى من جرّاء ذلك ما تقشعر منه الجلود. ولو لا أن ملكهم قمع طغيانهم لجرى من عدوانهم والدفاع لهم حوادث في المسلمين مزعجة والله المستعان اللهم إياك نعبد وإياك نستعين. (المقام الثالث) كثيرا ما فسرت العبادة بأنها ضرب من الشكر مع ضرب من الخضوع. او الطاعة. وهل يخفى عليك أن هذه التفاسير مبنية على التساهل بخصوصيات الاستعمال أو الارتباك في مقام التفسير وهل يخفى أن اغلب الافراد من كل واحد مما ذكروه لا يراه الناس عبادة ويغلطون من يسميها او بعضها عبادة الا على سبيل المجاز. وإن لفظ العبادة وما يشتق منه كعبد ويعبد لا تجدها مستعملة على وجه الحقيقة إلا فيما ذكرناه من معاملة الإنسان لمن يتخذه إلها معاملة الإله المستحق لذلك بمقامه في الإلهية. ولم أجدها في القرآن الكريم مستعملة في غير ذلك إلا في ثلاثة موارد ولكنها لم تخرج عن النظر إلى مناسبة المعنى الحقيقيّ المذكور والتجوز بلفظه. وهي قوله تعالى في سورة مريم ٤٥ (يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلرَّحْمنِ عَصِيًّا) وفي سورة يس ٦٠ (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ). فاستعير اسم العبادة للطاعة العمياء للشيطان على الدوام كما يلقي المؤمنون قياد طاعتهم لله على بصيرة من أمرهم لأنه إلههم على نحو التجوز الواقع في قوله تعالى في سورة الفرقان ٤٥ (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ). والجاثية ٢٢ (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) فإنهم لم يكونوا يعبدون الشيطان ولم يتخذوا هواهم إلها على سبيل الحقيقة. وثالثها قوله تعالى في سورة المؤمنون ٤٩ (فَقالُوا) (اي فرعون وملائه) (أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ) اي دائبون على العمل في تسخيرنا كما يدأب المؤمن في طاعة الله وعبادته. او باعتبار ان فرعون كان يدعي الإلهية فجعلوا بالتشبيه والتمويه خضوع بني إسرائيل بالقهر والغلبة عبادة لفرعون هذا وان الشيخ محمد عبده خاض في هذا المقام في البحث على ما حكاه عنه تلميذه في تفسيره لسورة الفاتحة وقارب الغرض في كلامه ولما يقرطس. قال ما ملخصه مهما غالى العاشق في تعظيم معشوقه والخضوع له وتفانى في هواه وارادته. أو بالغ بعض الناس في تعظيم الملوك والزعماء فترى من خضوعهم لهم ما لا تراه من خضوع القانتين لله فإن العرب لم يكونوا يسمون شيئا من هذا الخضوع عبادة فما هي العبادة اذن. وقال : تدل الأساليب الصحيحة والاستعمال العربي الصراح أن العبادة ضرب من الخضوع بالغ حد النهاية ناشئ عن استشعار القلب عظمة للمعبود لا يعرف منشأها واعتقاده بسلطة لا يدرك كنهها وماهيتها وقصارى ما يعرفه منها انها محيطة به