(١٠٨) ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلاَّ بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (١٠٩) لَيْسُوا سَواءً
____________________________________
من المسلمين الى الاستيلاء على الشام وما بعد ١٠٨ (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ) في قرون عديدة (١) لما يذكر في آخر الآية من سوء اعمالهم (أَيْنَما ثُقِفُوا) وأدركوا وظفر بهم فلا منعة لهم من الذلة (إِلَّا) أن يعتصموا (بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ) بأن ينقطعوا ويلتجؤا اليه بإخلاص فيغيثهم (وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ) بأن يدخلوا في عهدهم وذمتهم او رعايتهم وحمايتهم. وسمي ذلك بالحبل لمنعته لهم من السقوط في هاوية الذل (وَباؤُ) بمعنى رجعوا ونحوه (بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ) لسوء اعمالهم (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ) في القاموس من معاني المسكين الضعيف الذليل. وفي المصباح عن ابن الاعرابي الذليل المقهور وفي النهاية مما يدور على المسكين والمسكنة من المعاني الخضوع والذلة. أقول والظاهر هنا ان معنى المسكنة ما تدور حوله هذه المعاني وهو لازم لليهود لانكسار شوكتهم القومية والسياسية وانحلال جامعتهم في ذلك مهما بلغ بعض الأفراد منهم في الثروة والنخوة الجزئية الصورية الموقتة (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ) بتتابع ارتدادهم. وكفرهم بما أوتي المسيح منها (وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍ) القيد للتوضيح والتسجيل لقبيح أفعالهم فإن قتل الأنبياء كله بغير حق (ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ) حدود الله. وكررت الاشارة تأكيدا لبيان الجهات التي يستحقون بها النكال العاجل والانتقام. هذا شأن النوع من أهل الكتاب في اجيالهم وما كلهم كذلك فإنهم ١٠٩ (لَيْسُوا سَواءً) وعلى وتيرة واحدة في الضلال
__________________
(١) كما يذكر التاريخ من كتب العهد القديم وتاريخ يوسيفوس وغيره ما تمادوا عليه من تتابع الارتداد والكفر من بعد سليمان وقتل الأنبياء وسوء الأعمال في الشرك وما جرى عليهم من آثار الحروب من ملوك آشور ومصر وبابل وطيطوس. وبقيت الآثار على ذلك. والقوم أبناء القوم فقد خلفوهم بالكفر بآيات الله للمسيح فقالوا الأقاويل وفعلوا الأفاعيل حتى اتبعوا ذلك بالكفر بآيات الله لرسوله خاتم النبيين ومنها بشرى كتبهم به وبقرآنه فجهدوا في الكفر والغيّ جهدهم حتى ذاقوا وبال أمرهم