وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (١٥) الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذابَ النَّارِ (١٦) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ (١٧) شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ
____________________________________
وفي ذلك النعيم الهنيّ (وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ) وهو الغاية القصوى لأولي الألباب في النعيم (وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ) وما يعملون وما يستحقونه من الجزاء ١٤ (الَّذِينَ) في هذا بيان لصفات الذين اتقوا. وما أكرمها وأحسنها من صفات (يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا) اي يؤمنون ويعترفون لله بايمانهم ويجعلونه وسيلة الى الله في الدعاء لنجاتهم وغفران ذنوبهم (فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذابَ النَّارِ ١٥ الصَّابِرِينَ) عن المعاصي وعلى الطاعات وعلى نوائب الدهر تسليما لأمر الله ورضى بقضائه (وَالصَّادِقِينَ) وأكرم بها صفة واحسن (وَالْقانِتِينَ) الدائبين في العبادة (وَالْمُنْفِقِينَ) كما أمرهم الله وندبهم اليه (وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ) السحر هو الوقت الذي قبيل طلوع الفجر وهو احسن الأوقات نوعا لحضور القلب في العبادة والإقبال على المناجاة والدعاء ، وأبعدها عن مداخلة الرياء (شَهِدَ اللهُ) اصل الشهادة من الشهود والحضور والمعاينة ثم شاعت فيما ينشأ عن ذلك ونحوه من الاعلام بالأمر والشيء لإثباته ومنه المقام فيقال شهد بكذا (أَنَّهُ) اي بانه (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) وشهادة الله اعلامه بإلهيته ووحدانيته بالدلالات الجلية والحجج القاطعة ومن ذلك خلقه للعالم ودلائل الحكمة ، وقوانين النظام الباهر فيه ودوام انتظامه على ذلك (وَ) شهد بذلك ايضا (الْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ) وهم الذين لم يعمهم الجهل عن النظر اقلا الى نظام العالم ودوام انتظامه فشهدوا بذلك عن علم وبصيرة وحجة قيمة يرشدون بها الجاهل ويقاومون بها المعاند (قائِماً بِالْقِسْطِ) في التبيان وروي في تفسيرنا ان في الآية تقديما وتأخيرا تقديره شهد الله انه لا إله الا هو قائما بالقسط والملائكة الآية اي على انه حال من الضمير «هو» انتهى وفيه ان مثل هذا الإرسال لا ينهض بإثبات شيء فضلا عن مصادمته بالمتواتر من القراءة والمصاحف ، وفي الكشاف جوّز كونه حالا من الضمير ايضا على القراءة المتعارفة ، أقول والأنسب بكرامة القرآن الكريم في سياقه وأسلوبه المجيد ان يكون حالا من لفظ الجلالة فإنه هو الذي له عنوان الكلام ووجهه الذي يقرب له البعيد من جملته ويوصل به المنفصل دون ضمائره فكل ما صلح ان يرتبط به من حال او غيره جره عنوان