بعد الاطناب في المغالطة والغفلة عن مقابلة النفس بأقرب الأقرباء رجع إلى الاعتراف بأن المقام مقام امتياز في الفضل الديني وكرامة المقام الأرفع بحيث يناسب ان يأمر الله رسوله بأن يعبر عن علي لأجل ذلك بأنه نفسه. ولا يخفى ان هذا ليدل على أقصى ما تسعه الاستعارة ووجه المجاز في التفوق بالكمال والولاية العامة بعد ما يختص بالرسالة تفوقا تلزمه الإمامة بعد رسول الله (ص)
وما عشت أراك الدهر عجبا فإن الشيخ محمد عبده مع تظاهره ورغبته بأن يعرف بحرية الضمير والنزعة. ونزاهة البحث كأنه التفت الى حقيقة النتيجة من الآية الكريمة والحديث وفطن الى ما يرد على شيخه ابن تيمية فيما قاله فأراد ان يسد بابا فتحه الله ورسوله على مصراعيه فقال في درسه على ما ذكره صاحب المنار في تفسيره. ان الروايات متفقة على ان النبي (ص) اختار للمباهلة عليا وفاطمة وولديها ويحملون كلمة نسائنا على فاطمة وكلمة أنفسنا على علي فقط ومصادر هذه الروايات الشيعة ومقصدهم منها معروف وقد اجتهدوا في ترويجها ما استطاعوا حتى راجت على كثير من اهل السنة ولكن واضعيها لم يحسنوا تطبيقها على الآية فإن كلمة «نسائنا» لا يقولها العربي ويريد بها بنته لا سيما إذا كان له ازواج وابعد من ذلك ان يراد بكلمة «وأنفسنا» علي (ع) أقول لماذا لا يقول العربي نساءنا نظرا إلى الجنس ومجانسة الجمع بالجمع في اللفظ وهو يريد بها بنته لأن ذلك أقرب إلى الحشمة من التصريح بابنته أو لغير ذلك من وجوه الكلام وهل يقول ان النساء لا تطلق إلا على الأزواج. إذن فما ذا يقول بقول القرآن الكريم (فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ). (وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ). (وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ). (أَخَواتِهِنَّ أَوْ نِسائِهِنَ). (وَلا نِسائِهِنَ). وكثير من مثل ذلك ولا حاجة إلى الاستشهاد بشعر العرب. ومما أشرنا اليه من وجوه الكلام هو بيان ان فاطمة (ع) هي الممتازة الوحيدة من ناحية الرسول من عنوان نساء الأهلين في فضيلتها واهميتها ولياقتها لهذا المقام وقد صح واستفاض عن رسول الله (ص) ان فاطمة سيدة نساء العالمين كما أشرنا اليه في تفسير الآية الأربعين. وكذا الكلام في التعبير بأنفسنا وارادة علي (ع) وحده وقد صح واستفاض عن رسول الله (ص) قوله لعلي (ع) أنت مني وانا منك كما رواه البخاري ومسلم عن البراء والحاكم عن علي (ع) والترمذي والحاكم عن عمران بن حصين. واحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه عن حبشي بن جنادة. واحمد والحاكم عن بريده وأبي رافع وابن أبي شيبة وابن جرير عن بريدة. وانه (ص) جعل