جعلنا العلّة هي الوجود لزم تقدّم (١) الشيء على نفسه بمراتب. وأمّا الحدوث فلافتقاره إلى الوجود ، لأنّه كيفيّة وصفة له ، وقد علمت افتقار الوجود إلى علّة الافتقار بمراتب. فلو كان الحدوث علّة الحاجة يتقدّم على نفسه بمراتب ، فعلّة الافتقار زائدة على ما ذكرت» (٢).
وقد اندفعت بما تقدّم مزعمة اخرى لبعضهم (٣) ، وهي قولهم : «إنّ من شرط صحّة الفعل سبق العدم» (٤). والمراد بالسبق السبق الزمانيّ ، ومحصّله أنّ المعلول بما أنّه فعل لعلّته يجب أن يكون حادثا زمانيّا. وعلّلوه بأنّ دوام وجود الشيء لا يجامع حاجته ، ولازم هذا القول أيضا عدم وجود المعلول عند وجود العلّة.
وجه الاندفاع (٥) : أنّ علّة الحاجة إلى العلّة هي الإمكان ، وهو لازم الماهيّة ، والماهيّة مع المعلول كيفما فرض وجودها ، من غير فرق بين الوجود الدائم وغيره.
على أنّ الوجود المعلول (٦) رابط بالنسبة إلى العلّة ، قائم بها ، غير مستقلّ عنها ، ومن الممتنع أن ينقلب مستغنيا عن المستقلّ الّذي يقوم به ، سواء كان دائما أو منقطعا.
على أنّ لازم هذا القول خروج الزمان من افق الممكنات ، وقد تقدّمت جهات فساده (٧).
__________________
(١) هكذا في الأسفار. وفي النسخ : «توقّف».
(٢) راجع الأسفار ٢ : ٢٠٣ ـ ٢٠٤.
(٣) أي بعض المتكلّمين على ما نقل في رسالة الحدوث لصدر المتألّهين : ١٥. وفي الأسفار عبّر عنهم بطائفة من الجدليّين ، فراجع الأسفار ٢ : ٣٨٤.
(٤) وقال الفخر الرازيّ : «لا يشترط في الفعل تقدّم العدم عليه» ثمّ ذكر عشرة براهين عليه ، وبعد ذلك أجاب عن شبهات المخالفين. فراجع المباحث المشرقيّة ١ : ٤٨٥ ـ ٤٩٤.
(٥) كما في الأسفار ٣ : ١٨ ـ ١٩.
(٦) وفي النسخ : «وجود المعلول». وما أثبتناه أولى.
(٧) راجع الفصل السادس من المرحلة الرابعة.