الفصل الرابع عشر
في أنّ العلوم ليست بذاتيّة للنفس
قيل (١) : «إنّ ما تناله النفس من العلوم ذاتيّة لها ، موجودة فيها بالفعل في بدء كينونتها».
ولمّا اورد عليهم أنّ ذلك ينافي الجهل المشهود من الإنسان ببعض العلوم والحاجة في فعليّتها إلى الاكتساب ؛ أجابوا (٢) بأنّها ذاتيّة فطريّة لها ، لكنّ اشتغال النفس بتدبير البدن أغفلها عن علومها (٣) وشغلها عن التوجّه إليها.
وفيه : أنّ نحو وجود النفس ـ بما أنّها نفس ـ أنّها صورة مدبّرة للبدن ، فتدبير البدن ذاتيّ لها حيثما فرضت نفسا (٤). فلا يؤول الجمع بين ذاتيّة العلوم لها وبين شاغليّة تدبير البدن لها عن علومها إلّا إلى المناقضة (٥).
__________________
(١) والقائل بعض القائلين بقدم النفوس البشريّة على ما نقل في المباحث المشرقيّة ١ : ٣٥٧ ، والأسفار ٣ : ٤٨٧.
(٢) وتعرّض له الفخر الرازيّ ونقده في المباحث المشرقيّة ١ : ٣٧٥. وتبعه على ذلك صدر المتألّهين في الأسفار ٣ : ٤٨٩ ـ ٤٩٠.
(٣) وفي النسخ : «أغفلها علومها» والصحيح ما أثبتناه.
(٤) لا يخفى عليك أنّه ينافي القول ببقاء النفس بعد مفارقة البدن.
(٥) وأورد عليهم صدر المتألّهين في الأسفار ٣ : ٤٩٠ بما حاصله : أنّ الصور العقليّة إمّا أن ـ