واجبة الوجود عند وجود المعلول لكانت ممكنة ، إذ تقدير امتناعها يرتفع بأدنى توجّه ، وإذا كانت ممكنة كانت جائزة العدم ، والمعلول موجود قائم الوجود بها ، ولازمه وجود المعلول بلا علّة.
فإن قلت : المعلول محتاج إلى العلّة حدوثا لا بقاء فمن الجائز أن تنعدم العلّة بعد حدوث المعلول ، ويبقى المعلول على حاله.
قلت : هو مبنيّ على ما ذهب اليه قوم (١) ـ من أنّ حاجة المعلول إلى العلّة في الحدوث دون البقاء ، فإذا حدث المعلول بإيجاد العلّة إنقطعت الحاجة إليها ، ومثّلوا له بالبناء والبنّاء ، فإنّ البنّاء علّة للبناء ، فإذا بنى وقام البناء على ساق ارتفعت حاجته إلى البنّاء ، ولم يضرّه عدمه ـ. وهو مردود بأنّ الحاجة إلى العلّة خاصّة لازمة للماهيّة ، لإمكانها في تلبّسها بالوجود أو العدم ، والماهيّة بإمكانها محفوظة في حالة البقاء ، كما أنّها محفوظة في حالة الحدوث ، فيجب وجود العلّة في حالة البقاء كما يجب وجودها في حالة الحدوث. على أنّه قد تقدّم (٢) أنّ وجود المعلول بالنسبة إلى العلّة وجود رابط قائم بها غير مستقلّ عنها ، فلو استغنى عن العلّة بقاء كان مستقلّا عنها غير قائم بها ، وهذا خلف.
برهان آخر : قال في الأسفار : «وهذا ـ يعني كون علّة الحاجة إلى العلّة هي الحدوث ـ أيضا باطل ، لأنّا إذا حلّلنا الحدوث بالعدم السابق والوجود اللاحق وكون ذلك الوجود بعد العدم وتفحّصنا عن علّة الافتقار إلى الفاعل أهي أحد الامور الثلاثة أم أمر رابع مغاير لها؟ لم يبق من الأقسام شيء إلّا القسم الرابع. أمّا العدم السابق فلأنّه نفي محض لا يصلح للعلّيّة. وأمّا الوجود فلأنّه مفتقر إلى الإيجاد المسبوق بالاحتياج إلى الموجد المتوقّف على علّة الحاجة إليه ، فلو
__________________
(١) وهم جمهور المتكلّمين ، راجع شرحي الإشارات ١ : ٢١٥ ، وشرح الإشارات للمحقّق الطوسيّ ٣ : ٦٨ ـ ٦٩.
(٢) في الفصل الأوّل من هذه المرحلة.