الفصل الثامن عشر
في الخير والشرّ
ودخول الشرّ في القضاء الإلهيّ
الخير ما يطلبه ويقصده ويحبّه كلّ شيء ويتوجّه إليه كلّ شيء بطبعه ، وإذا تردّد الأمر بين أشياء فالمختار خيرها ، فلا يكون إلّا كمالا وجوديّا يتوقّف عليه وجود الشيء كالعلّة بالنسبة إلى معلولها ، أو كمالا أوّلا هو وجود الشيء بنفسه ، أو كمالا ثانيا يستكمل الشيء به ويزول به عنه نقص. والشرّ يقابله ، فهو عدم ذات أو عدم كمال ذات.
والدليل على أنّ الشرّ عدم ذات أو عدم كمال ذات أنّ الشرّ لو كان أمرا وجوديّا لكان إمّا شرّا لنفسه أو شرّا لغيره. والأوّل محال ، إذ لو اقتضى الشيء عدم نفسه لم يوجد من رأس ، والشيء لا يقتضي عدم نفسه ولا عدم شيء من كمالاته الثانية ، لما بينه وبينها من الرابطة الوجوديّة ، والعناية الإلهيّة أيضا توجب إيصال كلّ شيء إلى كماله. والثاني أيضا محال ، لأنّ كون الشرّ ـ والمفروض أنّه وجوديّ ـ شرّا لغيره ، إمّا بكونه معدما لذات ذلك الغير ، أو معدما لشيء من كمالاته ، أو بعدم إعدامه لا لذاته ولا لشيء من كمالاته ؛ والأوّل والثاني غير جائزين ، فإنّ الشرّ حينئذ يكون هو عدم ذلك الشيء أو عدم شيء من كمالاته دون الشيء المعدم