الفصل السادس
في توحيد الواجب لذاته في ربوبيّته
وأنّه لا ربّ سواه
الفحص البالغ والتدبّر الدقيق العلميّ يعطي أنّ أجزاء عالمنا المشهود ـ وهو عالم الطبيعة ـ مرتبطة بعضها ببعض من أجزائها العلويّة والسفليّة وأفعالها وانفعالاتها والحوادث المترتّبة على ذلك ، فلا تجد خلالها موجودا لا يرتبط بغيره في كينونته وتأثيره وتأثّره ، وقد تقدّم في مباحث الحركة الجوهريّة ما يتأيدّ به ذلك (١).
فلكلّ حادث ـ من كينونة أو فعل أو انفعال ـ استناد إلى مجموع العالم. ويستنتج من ذلك أنّ بين أجزاء العالم نوعا من الوحدة ، والنظام الوسيع الجاري فيه واحد. فهذا أصل.
ثمّ إنّ المتحصّل ممّا تقدّم من المباحث وما سيأتي أنّ هذا العالم المادّيّ معلول لعالم نوريّ مجرّد عن المادّة متقدّس (٢) عن القوّة (٣) ، وأنّ بين العلّة والمعلول سنخيّة وجوديّة بها يحكي المعلول ـ بما له من الكمال الوجوديّ بحسب مرتبته ـ
__________________
(١) راجع الفصل الثامن من المرحلة التاسعة.
(٢) أي : متنزّه.
(٣) ولا يخفى أنّ هذا البيان لا يوافق ما تقدّم ويأتي من أنّ الفاعليّة والمؤثّريّة تختصّ بالواجب تعالى.