المضاف إليه على طريقة قوله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشورى : ١١] بناء على أن لفظ (مثل) كناية عن المضاف إليه إذ لا يستقيم المعنى أن يكون التقدير فأتوا بسورة من القرآن ، أو من محمد خلافا لمن توهم ذلك من كلام «الكشاف» وإنما لفظ مثل مستعمل في معناه الصريح إلا أنه أشبه المكنّى به عن نفس المضاف هو إليه من حيث إن المثل هنا على تقدير الاسمية غير متحقق الوجود إلا أن سبب انتفاء تحققه هو كونه مفروضا فإن كون الأمر للتعجيز يقتضي تعذر المأمور ، فليس شيء من هاته الوجوه بمقتض وجود مثل للقرآن حتى يراد به بعض الوجوه كما توهمه التفتازانيّ.
وعندي أن الاحتمالات التي احتملها قوله : (مِنْ مِثْلِهِ) كلها مرادة لرد دعاوى المكذبين في اختلاف دعاويهم فإن منهم من قال : القرآن كلام بشر ، ومنهم من قال : هو مكتتب من أساطير الأولين ، ومنهم من قال : إنما يعلمه بشر. وهاته الوجوه في معنى الآية تفند جميع الدعاوى فإن كان كلام بشر فأتوا بمماثله أو بمثله ، وإن كان من أساطير الأولين فأتوا أنتم بجزء من هذه الأساطير ، وإن كان يعلمه بشر فأتوا أنتم من عنده بسورة فما هو ببخيل عنكم إن سألتموه. وكل هذا إرخاء لعنان المعارضة وتسجيل للإعجاز عند عدمها. فالتحدي على صدق القرآن هو مجموع مماثلة القرآن في ألفاظه وتراكيبه ، ومماثلة الرسول المنزّل عليه في أنه أمي لم يسبق له تعليم ولا يعلم الكتب السالفة ، قال تعالى : (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ) [العنكبوت : ٥١]. فذلك معنى المماثلة فلو أتوا بشيء من خطب أو شعر بلغائهم غير مشتمل على ما يشتمل عليه القرآن من الخصوصيات لم يكن ذلك إتيانا بما تحداهم به ، ولو أتوا بكلام مشتمل على معان تشريعية أو من الحكمة من تأليف رجل عالم حكيم لم يكن ذلك إتيانا بما تحداهم به. فليس في جعل (من) ابتدائية إيهام إجزاء أن يأتوا بشيء من كلام بلغائهم لأن تلك مماثلة غير تامة.
وقوله تعالى : (وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ) معطوف على (فَأْتُوا بِسُورَةٍ) أي ائتوا بها وادعوا شهداءكم. والدعاء يستعمل بمعنى طلب حضور المدعو ، وبمعنى استعطافه وسؤاله لفعل ما ، قال أبو فراس يخاطب سيف الدولة ليفديه من أسر ملك الروم :
دعوتك للجفن القريح المسهد |
|
لديّ وللنوم الطريد المشرد |
والشهداء جمع شهيد فعيل بمعنى فاعل من شهد إذا حضر ، وأصله الحاضر قال تعالى : (وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا) [البقرة : ٢٨٢] ثم استعمل هذا اللفظ فيما يلازمه