بالقرينة.
(وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
مرجع الإشارة الثانية عين مرجع الأولى ، ووجه تكرير اسم الإشارة التنبيه على أن كلتا الأثرتين جديرة بالاعتناء والتنويه ، فلا تذكر إحداهما تبعا للأخرى بل تخص بجملة وإشارة خاصة ليكون اشتهارهم بذلك اشتهارا بكلتا الجملتين وأنهم ممن يقال فيه كلا القولين.
ووجه العطف بالواو دون الفصل أن بين الجملتين توسطا بين كمالي الاتصال والانقطاع لأنك إن نظرت إلى اختلاف مفهومهما وزمن حصولهما فإن مفهوم إحداهما وهو الهدى حاصل في الدنيا ومفهوم الأخرى وهو الفلاح حاصل في الآخرة كانتا منقطعتين. وأن نظرت إلى تسبب مفهوم إحداهما عن مفهوم الأخرى ، وكون كل منهما مقصودا بالوصف كانتا متصلتين ، فكان التعارض بين كمالي الاتصال والانقطاع منزلا إياهما منزلة المتوسطين ، كذا قرر شراح «الكشاف» ومعلوم أن حالة التوسط تقتضي العطف كما تقرر في علم المعاني ، وتعليله عندي أنه لما تعارض المقتضيان تعين العطف لأنه الأصل في ذكر الجمل بعضها بعد بعض.
وقوله : (هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الضمير للفصل ، والتعريف في المفلحون للجنس وهو الأظهر إذ لا معهود هنا بحسب ظاهر الحال ، بل المقصود إفادة أن هؤلاء مفلحون ، وتعريف المسند بلام الجنس إذا حمل على مسند إليه معرف أفاد الاختصاص فيكون ضمير الفصل لمجرد تأكيد النسبة ، أي تأكيدا للاختصاص. فأما إذا كان التعريف للجنس وهو الظاهر فتعريف المسند إليه مع المسند من شأنه إفادة الاختصاص غالبا لكنه هنا مجرد عن إفادة الاختصاص الحقيقي ، ومفيد شيئا من الاهتمام بالخبر ، فلذلك جلب له التعريف دون التنكير وهذا مثّله عبد القاهر بقولهم : هو البطل الحامي ، أي إذا سمعت بالبطل الحامي وأحطت به خبرا فهو فلان. وإليه أشار في «الكشاف» هنا بقوله : «أو على أنهم الذين إن حصلت صفة المفلحين وتحققوا ما هم وتصوروا بصورتهم الحقيقية فهم هم» والسكاكي لم يتابع الشيخين على هذا فعدل عنه في «المفتاح» ولله دره.
والفلاح : الفوز وصلاح الحال ، فيكون في أحوال الدنيا وأحوال الآخرة ، والمراد به في اصطلاح الدين الفوز بالنجاة من العذاب في الآخرة. والفعل منه أفلح أي صار ذا فلاح ، وإنما اشتق منه الفعل بواسطة الهمزة الدالة على الصيرورة لأنه لا يقع حدثا قائما