جده فهو تنظير في مجرد إفادة التأكيد.
وقوله : (تَسُرُّ النَّاظِرِينَ) أي تدخل رؤيتها عليهم مسرة في نفوسهم ، والمسرة لذة نفسية تنشأ عن الإحساس بالملائم أو عن اعتقاد حصوله ومما يوجبها التعجب من الشيء والإعجاب به. وهذا اللون من أحسن ألوان البقر فلذلك أسند فعل (تَسُرُّ) إلى ضمير البقرة لا إلى ضمير اللون فلا يقتضي أن لون الأصفر مما يسر الناظرين مطلقا. والتعبير بالناظرين دون الناس ونحوه للإشارة إلى أن المسرة تدخل عليهم عند النظر إليها من باب استفادة التعليل من التعليق بالمشتق.
[٧٠ ، ٧١] (قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ (٧٠) قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ (٧١))
(قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ (٧٠) قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِ).
القول في (ما هِيَ) كالقول في نظيره ، فإن كان الله تعالى حكى مرادف كلامهم بلغة العرب فالجواب لهم ب (إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ) لما علم من أنه لم يبق من الصفات التي تتعلق الأغراض بها إلا الكرامة والنفاسة ، وإن كان المحكي في القرآن اختصارا لكلامهم فالأمر ظاهر. على أن الله قد علم مرادهم فأنبأهم به.
وجملة (إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا) مستأنفة استئنافا بيانيا لأنهم علموا أن إعادتهم السؤال توقع في نفس موسى تساؤلا عن سبب هذا التكرير في السؤال ، وقولهم (إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا) اعتذار عن إعادة السؤال ، وإنما لم يعتذروا في المرتين الأوليين واعتذروا الآن لأن للثالثة في التكرير وقعا في النفس في التأكيد والسآمة وغير ذلك ولذلك كثر في أحوال البشر وشرائعهم التوقيت بالثلاثة.
وقد جيء بحرف التأكيد في خبر لا يشك موسى في صدقه فتعين أن يكون الإتيان بحرف التأكيد لمجرد الاهتمام ثم يتوسل بالاهتمام إلى إفادة معنى التفريع والتعليل فتفيد (إن) مفاد فاء التفريع والتسبب وهو ما اعتنى الشيخ عبد القاهر بالتنبيه عليه في «دلائل الإعجاز» ومثله بقول بشار :