ويتعين إعراب (سواء) في مثله مبتدأ والخبر محذوف دل عليه الاستفهام تقديره جواب هذا الاستفهام فسواء في الآية مبتدأ ثان والجملة خبر (الَّذِينَ كَفَرُوا). ودع عنك كل ما خاض فيه الكاتبون على «الكشاف» ، وحرف (على) الذي يلازم كلمة (سَواءٌ) غالبا هو للاستعلاء المجازي المراد به التمكن أي إن هذا الاستواء متمكن منهم لا يزول عن نفوسهم ولذلك قد يجيء بعض الظروف في موضع على مع كلمة سواء مثل عند ، ولدي ، قال أبو الشغب العبسي (١) :
لا تعذلي في حندج إنّ حندجا |
|
وليث كفرّين لدىّ سواء |
وسيأتي تحقيق لنظير هذا التركيب عند قوله تعالى في سورة الأعراف [١٩٣] : (سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ) ، وقرأ ابن كثير : (أَأَنْذَرْتَهُمْ) بهمزتين أولهما محققة والثانية مسهلة. وقرأ قالون عن نافع وورش عنه في رواية البغداديين وأبو عمرو وأبو جعفر كذلك مع إدخال ألف بين الهمزتين ، وكلتا القراءتين لغة حجازية. وقرأه حمزة وعاصم والكسائي بتحقيق الهمزتين وهي لغة تميم. وروى أهل مصر عن ورش إبدال الهمزة الثانية ألفا. قال الزمخشري : وهو لحن ، وهذا يضعّف رواية المصريين عن ورش ، وهذا اختلاف في كيفية الأداء فلا ينافي التواتر.
(لا يُؤْمِنُونَ).
الأظهر أن هاته الجملة مسوقة لتقرير معنى الجملة التي قبلها وهي (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ) إلخ فلك أن تجعلها خبرا ثانيا عن (إنّ) واستفادة التأكيد من السياق ولك أن تجعلها تأكيدا وعلى الوجهين فقد فصلت إما جوازا على الأول وإما وجوبا على الثاني ، وقد فرضوا في إعرابها وجوها أخر لا نكثر بها لضعفها ، وقد جوز في «الكشاف» جعل جملة (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ) اعتراضا لجملة (لا يُؤْمِنُونَ) وهو مرجوح لم يرتضه السعد والسيد ، إذ ليس محل الإخبار هو (لا يُؤْمِنُونَ) إنما المهم أن يخبر عنهم باستواء الإنذار وعدمه عندهم ، فإن في ذلك نداء على مكابرتهم وغباوتهم ، وعذرا للنبي صلىاللهعليهوسلم في الحرص على إيمانهم ، وتسجيلا بأن من لم يفتح سمعه وقلبه لتلقي الحق والرشاد لا ينفع فيه حرص ولا ارتياد ، وهذا وإن كان يحصل على تقديره جعل (لا
__________________
(١) هو من شعراء ديوان «الحماسة» إلا أن هذا الشعر في ديوان «الحماسة» غير منسوب في غالب النسخ ، وفي بعضها منسوب لأبي الشغب وهو بفتح الشين وسكون الغين المعجمتين ، اسمه عكرشة بن أربد ، شاعر مقل من شعراء العصر الأموي.