ابن عطية وابن رشد في «البيان» وغير واحد من العلماء بأن هذا قاله النبي صلىاللهعليهوسلم عن اجتهاد قبل أن يوقفه الله على أن الممسوخ لا يعيش أكثر من ثلاثة أيام ولا يتناسل كما هو صريح حديث ابن مسعود ، قلت : يؤيد هذا أنه قال عن اجتهاد قوله : «ولا أراها». ولا شك أن هاته الأنواع من الحيوان موجودة قبل المسخ وأن المسخ إليها دليل على وجودها ومعرفة الناس بها.
وهذا الأمر التكويني كان لأجل العقوبة على ما اجترءوا من الاستخفاف بالأمر الإلهي حتى تحيلوا عليه وفي ذلك دليل على أن الله تعالى لا يرضى بالحيل على تجاوز أوامره ونواهيه فإن شرائع الله تعالى مشروعة لمصالح وحكم فالتحيل على خرق تلك الحكم بإجراء الأفعال على صور مشروعة مع تحقق تعطيل الحكمة منها جراءة ، على الله تعالى ، ولا حجة لمن ينتحل جواز الحيل بقوله تعالى في قصة أيوب : (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ) [ص : ٤٤] لأن تلك فتوى من الله تعالى لنبي لتجنب الحنث الذي قد يتفادى عنه بالكفارة ولكن الله لم يرض أصل الحنث لنبيه لأنه خلاف الأولى فأفتاه بما قاله ، وذلك مما يعين على حكمة اجتناب الحنث لأن فيه محافظة على تعظيم اسم الله تعالى فلا فوات للحكمة في ذلك ، ومسألة الحيل الشرعية لعلنا نتعرض لها في سورة ص وفيها تمحيص.
وقوله : (فَجَعَلْناها نَكالاً) عاد فيه الضمير على العقوبة المستفادة من قوله : (فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً). والنكال بفتح النون العقاب الشديد الذي يردع المعاقب عن العود للجناية ويردع غيره عن ارتكاب مثلها ، وهو مشتق من نكل إذا امتنع ويقال نكّل به تنكيلا ونكالا معنى عاقبه بما يمنعه من العود. والمراد بما بين يديها وما خلفها ما قارنها من معاصيهم وما سبق يعني أن تلك الفعلة كانت آخر ما فعلوه فنزلت العقوبة عندها ولما بين يديها من الأمم القريبة منها ولما خلفها من الأمم البعيدة. والموعظة ما به الوعظ وهو الترهيب من الشر.
[٦٧] (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (٦٧))
تعرضت هذه الآية لقصة من قصص بني إسرائيل ظهر فيها من قلة التوقير لنبيهم ومن الإعنات في المسألة والإلحاح فيها إما للتفصي من الامتثال وإما لبعد أفهامهم عن مقصد