يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (١٠٢))
(وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ).
قوله : (وَاتَّبَعُوا) عطف على جملة الشرط وجوابه في قوله : (وَلَمَّا جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ) [البقرة : ١٠١] الآية بذكر خصلة لهم عجيبة وهي أخذهم بالأباطيل بعد ذكر خصلة أخرى وهي نبذهم للكتاب الحق ، فذلك هو مناسبة عطف هذا الخبر على الذي قبله. فإن كان المراد بكتاب الله في قوله : (كِتابَ اللهِ وَراءَ ظُهُورِهِمْ) [البقرة : ١٠١] القرآن فالمعنى أنهم لما جاءهم رسول الله مصدقا لما معهم نبذوا كتابه بعلة أنهم متمسكون بالتوراة فلا يتبعون ما خالف أحكامها وقد اتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وهو مخالف للتوراة لأنها تنهى عن السحر والشرك فكما قيل لهم فيما مضى (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ) [البقرة : ٨٥] يقال لهم أفتؤمنون بالكتاب تارة وتكفرون به تارة أخرى. وإن كان المراد بكتاب الله التوراة فالمعنى لما جاءهم رسول الله نبذوا ما في التوراة من دلائل صدق هذا الرسول وهم مع ذلك قد نبذوها من قبل حين (وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ) مع أن ذلك مخالف لأحكام التوراة.
قال القرطبي : قال ابن إسحاق لما ذكر النبي صلىاللهعليهوسلم سليمان في الأنبياء قالت اليهود : إن محمدا يزعم أن سليمان نبيء وما هو بنبي ولكنه ساحر فنزلت هذه الآية.
و (الشَّياطِينُ) يحتمل أن يكونوا شياطين من الجن وهو الإطلاق المشهور ، ويحتمل أن يراد به ناس تمردوا وكفروا وأتوا بالفظائع الخفية فأطلق عليهم الشياطين على وجه التشبيه كما في قوله تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِ) [الأنعام : ١١٢] وقرينة ذلك قوله : (يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ) فإنه ظاهر في أنهم يدرسونه للناس وكذلك قوله بعده : (وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا) إذ هذا الاستدراك في الإخبار يدل على أنهم من الإنس لأن كفر الشياطين من الجن أمر مقرر لا يحتاج للإخبار عنه.
وعن ابن إسحاق أيضا أنه لما مات سليمان عليهالسلام عمدت الشياطين فكتبوا أصنافا من السحر وقالوا : من أحب أن يبلغ كذا وكذا فليفعل كذا لأصناف من السحر وختموه بخاتم يشبه نقش خاتم سليمان ونسبوه إليه ودفنوه وزعموا أن سليمان دفنه وأنهم