سورة ترجمت باسم يخصها ، وأقل السور عدد آيات سورة الكوثر ، وقد كان المشركون بالمدينة تبعا للمشركين بمكة وكان نزول هذه السورة في أول العهد بالهجرة إلى المدينة فكان المشركون كلهم ألبا على النبي صلىاللهعليهوسلم يتداولون الإغراء بتكذيبه وصد الناس عن اتباعه ، فأعيد لهم التحدي بإعجاز القرآن الذي كان قد سبق تحديهم به في سورة يونس وسورة هود وسورة الإسراء.
وقد كان التحدي أولا بالإتيان بكتاب مثل ما نزل منه ففي سورة الإسراء [٨٨] : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً). فلما عجزوا استنزلوا إلى الإتيان بعشر سور مثله في سورة هود (١) ، ثم استنزلوا إلى الإتيان بسورة من مثله في سورة يونس (٢).
والمثل أصله المثيل والمشابه تمام المشابهة فهو في الأصل صفة يتبع موصوفا ثم شاع إطلاقه على الشيء المشابه المكافئ.
والضمير في قوله : (مِنْ مِثْلِهِ) يجوز أن يعود إلى (ما نزّلنا) أي من مثل القرآن ، ويجوز أن يعود إلى (عَبْدِنا) فإن أعيد إلى (ما نزلنا) أي من مثل القرآن فالأظهر أن (من) ابتدائية أي سورة مأخوذة من مثل القرآن أي كتاب مثل القرآن والجار والمجرور صفة لسورة ، ويحتمل أن تكون (من) تبعيضية أو بيانية أو زائدة ، وقد قيل بذلك كله ، وهي وجوه مرجوحة ، وعلى الجميع فالجار والمجرور صفة لسورة ، أي هي بعض مثل ما نزلنا ، ومثل اسم حينئذ بمعنى المماثل ، أو سورة مثل ما نزلنا و (مثل) صفة على احتمالي كون (من) بيانية أو زائدة ، وكل هذه الأوجه تقتضي أن المثل سواء كان صفة أو اسما فهو مثل مقدّر بناء على اعتقادهم وفرضهم ولا يقتضي أن هذا المثل موجود لأن الكلام مسوق مساق التعجيز. وإن أعيد الضمير لعبدنا فمن لتعدية فعل (ائتوا) وهي ابتدائية وحينئذ فالجار والمجرور ظرف لغو غير مستقر. ويجوز كون الجار والمجرور صفة لسورة على أنه ظرف مستقر والمعنى فيهما ائتوا بسورة منتزعة من رجل مثل محمد في الأمية ، ولفظ مثل إذن اسم.
وقد تبين لك أن لفظ (مثل) في الآية لا يحتمل أن يكون المراد به الكناية عن
__________________
(١) في المطبوعة : (يونس) وهو غلط ففي التنزيل (قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ) [هود : ١٣].
(٢) في المطبوعة : (هود) وهو غلط ففي التنزيل (قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ) [يونس : ٣٨].