ويعارضها نحو قوله تعالى : (يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ) [الزمر : ٥٣] فأوهموا الناس أن المغفرة عامة لكل ذنب وكل مذنب ولو لم يتب وأغضوا عن آيات الوعيد وآيات التوبة.
وللتفادي من هذا الوصف الذي ذمه الله تعالى قال علماء أصول الفقه إن التأويل لا يصح إلا إذا دل عليه دليل قوي ، أما إذا وقع التأويل لما يظن أنه دليل فهو تأويل باطل فإن وقع بلا دليل أصلا فهو لعب لا تأويل ولهذا نهى الفقهاء عن اقتباس القرآن في غير المعنى الذي جاء له كما قال ابن الرومي :
لئن أخطأت في مدحي |
|
ك ما أخطأت في منعي |
لقد أنزلت حاجاتي |
|
بواد غير ذي زرع |
وقوله : (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) حال وهو أبلغ في النهي لأن صدور ذلك من العالم أشد فمفعول (تعلمون) محذوف دل عليه ما تقدم ، أي وأنتم تعلمون ذلك أي لبسكم الحق بالباطل. قال الطيبي عند قوله تعالى الآتي : (أَفَلا تَعْقِلُونَ) [البقرة : ٤٤] إن قوله تعالى : (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) غير منزل منزلة اللازم لأنه إذا نزل منزلة اللازم دل على أنهم موصوفون بالعلم الذي هو وصف كمال وذلك ينافي قوله الآتي : (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ) إلى قوله : (أَفَلا تَعْقِلُونَ) [البقرة : ٤٤] إذ نفى عنهم وصف العقل فكيف يثبت لهم هنا وصف العلم على الإطلاق.
[٤٣] (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (٤٣))
أمر بالتلبس بشعار الإسلام عقب الأمر باعتقاد عقيدة الإسلام فقوله : (وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ) [البقرة : ٤١] الآية راجع إلى الإيمان بالنبيء صلىاللهعليهوسلم وما هو وسيلة ذلك وما هو غايته ، فالوسيلة (اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ) إلى (فَارْهَبُونِ) [البقرة : ٤٠] والمقصد (وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ) ، والغاية (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ). وقد تخلل ذلك نهي عن مفاسد تصدهم عن المأمورات مناسبات للأوامر. فقوله : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) إلخ أمر بأعظم القواعد الإسلامية بعد الإيمان والنطق بكلمة الإسلام ، وفيه تعريض بحسن الظن بإجابتهم وامتثالهم للأوامر السالفة وأنهم كملت لهم الأمور المطلوبة. وفي هذا الأمر تعريض بالمنافقين ، ذلك أن الإيمان عقد قلبي لا يدل عليه إلا النطق ، والنطق اللساني أمر سهل قد يقتحمه من لم يعتقد إذا لم يكن ذا غلو في دينه فلا يتحرج أن ينطق بكلام يخالف