والتحقيق في الجواب ان المراد بمكروه العبادة ما كان أقل ثوابا منها نفسها لو لم تكن كذلك بل كانت متصفة بأصل الإباحة ، ويدل على ذلك ما تقدم من حديث «من توضأ وتمندل كتبت له حسنة ومن توضأ ولم يتمندل كتبت له ثلاثون حسنة». وتوضيح ذلك ان يقال : ان العبادة قد تكون بحيث لا يتعلق بها أمر ولا نهي غير الأمر الذي تعلق بأصل فعلها ، وبهذا المعنى تتصف بالإباحة كالصلاة في البيت البعيد عن المسجد أو حال المطر ، وقد يتعلق بها أمر زائد على الأول باعتبار اتصافها أو اشتمالها على أمر راجح به كالصلاة في المسجد مثلا إلا مع عذر مسقط ، وربما انتهى إلى حد الوجوب كما إذا نذر إيقاعها فيه ، وقد يتعلق بها نهي بالاعتبار المذكور مع المرجوحية كالصلاة في الحمام ، وربما انتهى إلى حد التحريم كصلاة الحائض والصلاة في الدار المغصوبة على أشهر القولين ، وحينئذ فمكروه العبادة هو ما كان أقل ثوابا بالاعتبار المذكور آنفا منها نفسها لو لم تكن كذلك بل كانت متصفة بصفة الإباحة المذكورة ، فالصلاة في الحمام مكروهة بمعنى أنها أقل ثوابا منها في البيت مثلا لا في المسجد ، فلا يرد حينئذ ما أورد سابقا من ان الكراهة بمعنى اقلية الثواب توجب كون الصلاة في جميع المساجد مكروهة لكونها أقل ثوابا من الصلاة في المسجد الحرام ، فان المعتبر ـ كما عرفت ـ في المفضل عليه بالأقلية هو المتصف بأصل الإباحة ، وهكذا بالنسبة إلى ما لم يوجد فيه أمر زائد على الأول. والله العالم.
تم الجزء الثاني من كتاب الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة ويتلوه الجزء الثالث في الغسل. والحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وعترته الطيبين الطاهرين ، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين.