فتكون الرواية ثالثة لموثقة أبي بصير وصحيحة معاوية بن عمار المتقدمتين في الدلالة على البطلان مع الجفاف بالتفريق.
وأنت خبير بان ملخص ما ظهر ـ من مطاوي هذا البحث بعد استقصاء النظر في أدلته ـ أن الموالاة التي هي عبارة عن مراعاة الجفاف شرط في صحة الوضوء مع التفريق واما مع المتابعة فلا يضر جفاف ما سبق لعذر كان من حرارة هواء ونحوها أم لا كما لا يخفى ، والاحتياط بالمتابعة مما لا ينبغي تركه.
تنبيهات : (الأول) ـ هل المبطل على تقدير القول بمراعاة الجفاف هو جفاف جميع الأعضاء المتقدمة. أو جفاف عضو في الجملة ، أو العضو السابق على ما هو فيه؟ أقوال ثلاثة : أولها ظاهر المشهور ، وثانيها صريح ابن الجنيد على ما نقل عنه من اشتراط بقاء البلل في جميع ما تقدم إلا لضرورة ، وثالثها ظاهر السيد المرتضى وابن إدريس.
والظاهر هو القول المشهور ، لأصالة صحة الوضوء فيقتصر في بطلانه على القدر المتيقن وهو جفاف الجميع ، ولأن الروايتين الدالتين على الابطال مع الجفاف ان لم تكونا ظاهرتين في ترتب الابطال على جفاف الجميع فلا ظهور لهما في جفاف البعض.
ومما استدل به على ذلك أيضا الأخبار الدالة على الأخذ من بلة الوضوء لمن نسي مسح رأسه أو رجليه (١) ويضعف باحتمال اختصاص الحكم بالناسي كما هو مورد تلك الأخبار أو الضرورة كما يقوله ابن الجنيد.
(الثاني) ـ وقع في عبائر كثير من الأصحاب التقييد في الجفاف بالهواء المعتدل ، وظاهره ان تعجيل الجفاف في الهواء الشديد الحرارة وتأخيره في الهواء الشديد الرطوبة لا اعتبار به بل الاعتبار بحكم الهواء المتوسط بينهما فيحمل عليه كل من الطرفين ، الا ان شيخنا الشهيد في الذكرى قال : «لو كان الهواء رطبا جدا بحيث لو اعتدل جف البلل لم يضر لوجود البلل حسا ، وتقييد الأصحاب بالهواء المعتدل
__________________
(١) المروية في الوسائل في الباب ـ ٢١ ـ من أبواب الوضوء.