يدل على الفساد فيبقى في عهدة التكليف ، فمسلم بالنسبة إلى العامد والناسي ، واما بالنسبة إلى الجاهل فممنوع لعدم توجه النهي إليه كما ذكروا في غير موضع ، معللين له بقبح تكليف الغافل ، كما صرحوا به في مسألة الصلاة في الثوب المغصوب جاهلا والمكان المغصوب ، فإنه لا خلاف بينهم في الصحة ، وحجتهم على ذلك ما أشرنا إليه من عدم توجه النهي إلى الجاهل لقبح تكليف الغافل ، على ان الأظهر ـ كما هو المستفاد من الأخبار ، وعليه جملة من محققي علمائنا الأبرار ـ هو معذورية جاهل الحكم فضلا عن جاهل الأصل إلا ما خرج بدليل ، كما تقدم تحقيقه في المقدمة الخامسة. وما ذكره أخيرا ـ من منع اختصاص النهي بالعالم معللا بأنه إذا كان نجسا لم يكن مطهرا لغيره ـ ففيه انه ان كان المراد به ما كان نجسا في نظر المكلف فمسلم ولكنه ليس محل البحث ، وان أراد به ما كان كذلك واقعا وان لم يكن معلوما للمكلف حال الاستعمال فهو أول المسألة وكذلك ما ذكره في الذكرى من تعليله عدم ارتفاع الحدث به بأنه نجس ولا تحصل به الطهارة إلى آخر ما ذكره ، وتوضيحه ان التكاليف الواردة من الشارع انما جعلت منوطة بالظاهر في نظر المكلف دون الواقع ، والشارع لم يلتفت في ذلك إلى نفس الأمر ولم يكلف بالنظر اليه ، للزوم تكليف ما لا يطاق ، ولا نقول ان التكليف انما هو بالنظر إلى الواقع وان سقط الإثم بالمخالفة دفعا للحرج المذكور ، فلا بد في الصحة من مطابقته كما هو ظاهر الجماعة ، لقولهم (عليهمالسلام): «كل ماء طاهر حتى تعلم انه قذر» (١). و «كل شيء نظيف حتى تعلم انه قذر فإذا علمت فقد قذر ...» (٢). فإنه ـ كما ترى ـ ظاهر الدلالة على الحكم على كل ماء وكل شيء بالطهارة والنظافة إلى وقت العلم بالقذارة ، وبعد العلم بالقذارة يحكم بأنه قذر ، فصفة النجاسة لا تثبت له شرعا إلا بعد
__________________
(١) المروي في الوسائل في الباب ١ من أبواب الماء المطلق.
(٢) المروي في الوسائل في الباب ٣٧ من أبواب النجاسات.