المراد ان الوضوء الشرعي ليس بقابل للتبعيض ، بل تبعيضه يوجب الإتيان بوضوء غير مبعض ، لعدم الخروج عن العهدة ، فهو خبر أريد به خبر آخر هو لازمه وهو عدم صحة المبعض ، ووجوب إعادته من قبيل الكناية ، أو أريد به الإنشاء وهو الأمر بالإعادة. وشيء منهما لا يدل على الإثم ، ويرشد إلى هذا انه وقع تعليلا للأمر بالإعادة مع الجفاف في مادة عروض الحاجة إلى الماء.
ثم ان مضمون الروايتين المشار إليهما أيضا حصول الابطال بالجفاف الناشي عن التفريق ، اما لو اتفق الجفاف لا مع التفريق فلا دلالة للخبرين المذكورين على الابطال ، وليس غيرهما في الباب.
وبه يظهر قوة ما ذهب اليه الصدوقان ومن تبعهما من انه لو تابع بين أعضاء الوضوء صح وضوؤه وان اتفق الجفاف ، لعذر كان من حرارة ونحوها أم لا ، وضعف ما ذكره شيخنا الشهيد في الذكرى والدروس من انه لو والى وجف بطل وضوؤه إلا مع إفراط الحر وشبهه ، وقال في الذكرى : «ظاهر ابني بابويه ان الجفاف لا يضر مع الولاء والأخبار الكثيرة بخلافه ، مع إمكان حمله على الضرورة» انتهى. وما ذكره من الأخبار الكثيرة الدالة على الابطال مع الجفاف في الصورة المذكورة لم نعثر منها في هذا الباب على غير ما قدمناه.
ويدل أيضا على ما ذكرناه ما ذكره في كتاب فقه الرضا (١) حيث قال (عليهالسلام): «إياك ان تبعض الوضوء ، وتابع بينه كما قال الله تعالى : ابدأ بالوجه ثم باليدين ثم بالمسح على الرأس والقدمين ، فان فرغت من بعض وضوئك وانقطع بك الماء من قبل ان تتمه ثم أوتيت بالماء ، فاتمم وضوءك إذا كان ما غسلته رطبا ، فان كان قد جف فأعد الوضوء ، وان جف بعض وضوئك قبل ان تتم الوضوء من غير ان ينقطع عنك الماء ، فامض على ما بقي جف وضوؤك أم لم يجف». وقوله : وان فرغت
__________________
(١) في الصحيفة ١.