ان كذب عن علم بالحق ، وان كذب واستهزأ فهو محارب للحق ، والأول أخف جرما من الثاني ، لأنه أشبه بمن يمتنع عن الاقتراع ، والثاني أخف ذنبا من الثالث ، لأنه ضم صوته إلى صوت المكذبين ، أما الثالث فقد كذّب وأبدى نشاطا ضد الحق ، وهذا الثالث هو المقصود بالتهديد والوعيد ، وأنه سيلاقي جزاء عناده واستهزائه.
(أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ). كان عرب الجاهلية يعرفون الكثير عن قوم عاد وثمود ولوط وغيرهم ، وكانوا يمرون في رحلاتهم بآثارهم ، فيشاهدونها ويتحدثون عنهم وعنها ، ويعرفون ان الله سبحانه أهلكهم ، لأنهم كذبوا بالحق الذي جاء به أنبياؤهم من عند الله.
وهذه الآية تحض الذين كذّبوا محمدا (ص) ان يعتبروا بهلاك الأجيال الغابرة ، وقد كان لهم من أسباب الملك والقوة والسلطان ما لم يكن للمخاطبين من عرب الجاهلية.
(وَأَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْراراً). أي المطر الغزير ينشئ الخصب في حياتهم ويفيض عليهم الأرزاق (وَجَعَلْنَا الْأَنْهارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ) كناية عن الرخاء وكثرة الانتاج (فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ) ولم يغن عنهم المال والسلطان (وَأَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ) والعاقل من اتعظ بغيره قبل أن يتعظ الغير به.
(وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (٧) وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ (٨) وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ (٩) وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ