في القبول ، ومنه : لا أسمع منك أي لا أقبل منك. وسماعون للكذب أي قابلون له ، وهذا المعنى هو المراد بالسماع في الآية ، أي ان الله سبحانه نهى المؤمنين أن يكونوا كالمنافقين يظهرون القبول من النبي والطاعة لأمره ، ويضمرون المخالفة والعصيان.
(إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ). الأصم لا يسمع ، والأبكم لا يتكلم ، والدواب لها آذان تسمع بها ، ولكنها لا تفهم الكلام الذي تسمعه ، ولها ألسنة ولكنها لا تنطق ، فهي لا تفهم ولا تفهم ، ومن يسمع كلام الله والرسول ، ثم لا يهتدي به فمثله كمثل الدابة الصماء البكماء تسمع الكلام ولا تنتفع به.
(وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ). الناس اثنان : الأول طالب حق ، مجردا عن كل غاية .. وهذا لا يؤمن بمبدإ ، ولا يرى رأيا إلا بعد البحث وإمعان النظر في الأدلة ، ثم يبني آراءه عليها.
والثاني طالب صيد لا يؤمن إلا بذاته ومصالحه ، فيرحب بما يلائمها ، وان كان باطلا ، ويرفض ما ينافيها ، وان كان حقا.
والله سبحانه يسمع دعوة الحق لكل من الاثنين على السواء إلقاء للحجة ، قال تعالى : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) وبعد البيان الذي تتم به الحجة على الجميع يزيد سبحانه من النصح والإرشاد للذين يستجيبون له وينتفعون به : (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً) ـ ١٧ محمد. أما الذين لا يستجيبون إلا لمنفعتهم الذاتية فان الله يعرض عنهم ، ما دام النصح لا يجدي معهم شيئا. وهذا هو المراد من قوله : (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ) .. ويدل على ذلك قوله بلا فاصل : (وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) أي لو أسمعهم الحق لأعرضوا عنه لأنه لا يلائم أهواءهم.