المعنى :
(قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ). أمر الله سبحانه رسوله الكريم أن يقول للمشركين : اخبروني ان أتاكم عذاب الله كالذي نزل بالذين كذبوا رسلهم ، أو جاءكم الموت بسكراته والقيامة بأهوالها ، أتدعون في هذه الحال ما كنتم تعبدون من الأصنام والأوثان التي زعمتم انها تكشف عنكم الخزي والعذاب؟ والقصد من مجموع هذه الآية ان الكافرين يتبرءون غدا مما أشركوا ، ويلجئون إلى الله بعد أن يتبين لهم انه لا حول ولا قوة إلا به وحده لا شريك له.
(بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ). بعد أن سألهم : أغير الله تدعون يوم الهول الأكبر قرر الجواب بقوله : (بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ) وهذا هو الجواب الذي تؤمن به وتجيب دنيا وآخرة فطرة الله التي فطر الناس عليها .. وليس معنى فطرة الله ان الإنسان يدرك الخالق تلقائيا ومن غير دليل. كلا ، وإلا لم يكفر أحد بالله ، وإنما معنى هذه الفطرة ان الله أودع في الإنسان غريزة الاستعداد لتفهم الدلائل الدالة على وجوده ، وهذا الاستعداد لا يفارق الإنسان بحال ، ومن كفر فإنما يكفر مقصرا ومتهاونا بالاعراض عن النظر في الدلائل والبينات ، فاستحق العذاب لهذا الإهمال ، إذ لا فرق أبدا في نظر العقل بين من ترك العمل بعلمه متعمدا ، وبين من ترك الحق واتبع الباطل جهلا بهما ، مع قدرته على معرفتهما والتمييز بين الهدى والضلال ، ولكنه ترك تهاونا واستخفافا. أجل قد يحتجب هذا الاستعداد ، وهذا الإدراك الفطري وراء ستار من التقليد والتربية والشهوات ، تماما كما تحتجب الشمس وراء السحاب ، فيخيّل للجاهل المحجوب انه كافر بالله لعدم الدليل ، والدليل كامن في ذاته وفطرته التي فطره الله عليها. ويوم القيامة تزول الحجب الطارئة ، وتظهر الحقيقة واضحة للعيان ، ولا يبقى مجال للشك والإنكار.
(فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ). ضمير اليه يعود الى الكشف ، وهو