ويخدعوا عائد إلى الذين جنحوا للسلم ، والمعنى ان كان هؤلاء يبيتون لك يا محمد الخيانة والغدر من وراء جنوحهم للسلم فلا تخش غدرهم ، فأنت في أمان من الله وهو كافيك شرهم ، وقد أيدك من قبل بنصره وبالمؤمنين.
وتسأل : لقد مر قريبا عند تفسير قوله تعالى : (وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ) مرّ ان الله أمر نبيه أن ينقض عهدهم إذا خاف منهم الغدر والخديعة ، وفي هذه الآية أمره بالاستجابة لهم إذا طلبوا السلم ، حتى ولو كانوا مريدين الخيانة في الواقع ، فما هو وجه الجمع بين الآيتين؟.
الجواب : أمره الله هناك بنقض العهد مع اعلامهم بالنقض إذا كان على يقين من غدرهم بما ظهر له من الامارات القطعية ، وأمره هنا بمسالمتهم وان أرادوا الغدر في الواقع إذا لم تقم الدلائل القطعية على غدرهم ، وإنما احتمل ذلك ، وفي مثل هذه الحال يأخذ النبي بالظاهر ويعاملهم بحسبه ، فان الظاهر للناس ، والباطن لله.
(وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ). ليس من شك ان الله سبحانه هو الذي ألف بين قلوب الصحابة بعد أن كانت عصية على التأليف بخاصة بين الأوس والخزرج الذين امتدت الحروب بينهما ١٢٠ سنة .. وأيضا ليس من شك ان الله سبحانه يجري الأمور على سننها ، والمسببات على أسبابها ، وسبب التأليف بين قلوب أصحاب محمد (ص) هو الإسلام وإيمانهم به نظريا وعمليا ، والإسلام من عند الله ، فصحت النسبة اليه تعالى.
وقلنا عند تفسير الآية ٢ من هذه السورة ان الدين لا ينبت قمحا ، ولكنه ينبت سبا وإخلاصا .. ونظير هذه الآية التي نحن بصددها الآية ١٠٣ من سورة آل عمران ، وتجد تفسيرها مفصلا في ج ٢ ص ١٢٢.
(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٦٤) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ