واعلم أن قاضي التحكيم لا يتصور في حال الغيبة مطلقا (١) ، لأنه إن كان مجتهدا نفذ حكمه بغير تحكيم ، وإلا لم ينفذ حكمه مطلقا إجماعا ، وإنما يتحقق (٢) مع جمعه للشرائط حال حضوره عليهالسلام وعدم نصبه كما بيناه. وقد تحرر من ذلك : أن الاجتهاد شرط في القاضي في جمع الأزمان والأحوال ، وهو موضع وفاق. وهل يشترط في نفوذ حكم قاضي التحكيم تراضي الخصمين به بعده (٣) قولان : أجودهما العدم عملا بإطلاق النصوص.
(ويجوز ارتزاق القاضي من بيت المال مع الحاجة) (٤) إلى الارتزاق لعدم المال ،
______________________________________________________
(١) أي أبدا.
(٢) أي قاضي التحكيم.
(٣) أي هل يشترط في نفوذ حكمه تراضي الخصمين بالقاضي بعد الحكم أو لا؟ لا خلاف في اعتبار رضا الخصمين بحكمه قبل تمام الحكم فلو رجعا أو رجع أحدهما قبل الحكم فلا ينفذ حكمه ، وإنما الخلاف في اعتبار رضاهما بعد الحكم ، والمشهور على العدم تمسكا بإطلاق الأدلة على لزوم الحكم في مطلق القاضي كما في مقبولة عمر بن حنظلة (فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنما استخف بحكم الله وعلينا رد ، والراد علينا الراد على الله ، وهو على حد الشرك بالله) (١) ، ونقل في المسالك عن بعض العامة قولا باعتبار رضاهما بعده ، لأن رضاهما كما هو معتبر في أصل الحكم كذلك هو معتبر في لزومه ، وهو ضعيف للاطلاق المتقدم بعد تحقق الرضا بالمرافعة عنده.
(٤) الفرق بين الأجرة والارتزاق أن الأجرة تحتاج إلى تقدير العمل والعوض وضبط المدة ، والارتزاق منوط بنظر الحاكم من غير أن يقدر بقدر.
فيحرم على القاضي الأجرة على المشهور ، لأن القضاء واجب وهو مناف لأخذ الأجرة خصوصا إذا تعين عليه عند الانحصار ، وذهب العلامة في المختلف إلى جواز أخذ الأجرة مع عدم التعين ، وذهب المفيد والقاضي إلى الجواز مطلقا ، والبحث في أجرة القاضي هو من صغريات مسألة جواز أخذ الأجرة على الواجبات وسيأتي التعرض لها في باب المكاسب إن شاء الله تعالى. وعلى فرض المنع فيجوز للقاضي الارتزاق من بيت المال ، لأن بيت المال معدّ لمصالح المسلمين ، والقضاء من أهمها لتوقف نظم أمور المسلمين عليه ، ولمرسلة حماد عن العبد الصالح الواردة في تقسيم الخمس والانفال والغنائم ـ إلى ـ
__________________
(١) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب صفات القاضي حديث ١.