على أنه واقعة
متجددة لم يبحث عنها السابقون بحيث حصل فيها أحد الأمرين (١) ، لا معرفة كل مسألة
أجمعوا عليها ، أو اختلفوا ، ودلالة العقل من الاستصحاب والبراءة الأصلية وغيرهما
داخلة في الأصول ، وكذا معرفة ما يحتجّ به من القياس (٢) ، بل يشتمل كثير من
مختصرات أصول الفقه كالتهذيب (٣) ومختصر الأصول لابن الحاجب على ما يحتاج إليه من
شرائط الدليل المدوّن في علم الميزان ، وكثير (٤) من كتب النحو على ما يحتاج إليه
من التصريف.
نعم يشترط مع ذلك
كله أن يكون له قوة يتمكن بها من رد الفروع إلى أصولها واستنباطها منها. وهذه هي
العمدة في هذا الباب ، وإلا فتحصيل تلك المقدمات قد صارت في زماننا سهلة لكثرة ما
حققه العلماء والفقهاء فيها ، وفي بيان استعمالها ، وإنما تلك القوة بيد الله
تعالى يؤتيها من يشاء من عبادة على وفق حكمته ومراده ، ولكثرة المجاهدة والممارسة
لأهلها مدخل عظيم في تحصيلها ، (وَالَّذِينَ
جٰاهَدُوا فِينٰا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنٰا وَإِنَّ
اللّٰهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (٥).
وإذا تحقق المفتي
بهذا الوصف وجب على الناس الترافع إليه ، وقبول قوله ، والتزام حكمه ، لأنه منصوب
من الإمام عليهالسلام على العموم بقوله : «انظروا إلى رجل منكم قد روى حديثنا ،
وعرف أحكامنا فاجعلوه قاضيا فإني قد جعلته قاضيا فتحاكموا إليه» (٦).
______________________________________________________
(١) من الاجماع أو الخلاف.
(٢) وهو قياس منصوص العلة فقط ، وهو
بالدقة تمسك بظاهر اللفظ ولا يندرج في القياس الذي تواترت الأخبار في ذمه والنهي
عنه.
(٣) للعلامة.
(٤) أي ويشتمل كثير من كتب النحو
كالألفية لابن مالك مع شروحها هذا والإنصاف أن العلوم العربية من المقدمات البعيدة
بخلاف علم الأصول والحديث فإنها من المقدمات القريبة للاجتهاد ولذا اقتصرنا عليهما
سابقا.
(٥) العنكبوت آية : ٦٩.
(٦) وهو الخبر الأول لأبي خديجة المتقدم
، وقد نقله بالمعنى
لاختلاف بعض ألفاظه فراجع.
__________________