ممّا تقدّم تبيَّنت صغرى برهان الحدوث وهي أنّ الحياة في العالم المادّي حادث ، فليس بذاتي له ، (١) وليُضمَّ إليها الأصل البديهي العقلي وهو أنّ كلّ أمر غير ذاتي معلَّل ، كما أنّ كلّ حادث لا بدّ له من محدث وخالق ، فما هو المحدث لحياة المادة؟ إمّا هي نفسها أو غيرها؟ ولكنّ الفرض الأوّل باطل ، لأنّ المفروض أنّها كانت قبل حدوث الحياة لها فاقدة لها ، وفاقد الشيء يستحيل أن يكون معطياً له ، فلا مناص من قبول الفرض الثاني ، فهناك موجود آخر وراء عالم المادّة هو الموجد للمادّة ومحدث الحياة لها.
إلى هنا تمّ دور الحدوث الزماني في البرهان ، وأنتج أنّ هناك موجوداً غير مادّي ، محدثاً لهذا العالم المادّي ، وأمّا أنّ ذلك المحدث هل هو ممكن أو واجب ، وحادث أو قديم ، فلا بدّ لإثباته من اللجوء إلى برهان الإمكان والوجوب وامتناع الدور والتسلسل.
__________________
ـ العلوم المختلفة ، جمعها العالم المسيحي «جان كلور مونسما». اصل الكتاب باللّغة الإنجليزية ترجمه الى الفارسية أحمد آرام وقد ترجم باللّغة العربية تحت عنوان «الله يتجلّى في عصر العلم».
(١) إثبات الحدوث الزماني للعالم المادّي لا ينحصر فيما ذكر في المتن من طريق العلم التجريبي ، بل هناك طريق أدقّ منه اكتشفها الفيلسوف الإسلامي العظيم صدر المتألهين قدسسره على ضوء ما أثبته من الحركة الجوهرية للمادّة ، قال في رسالة الحدوث بعد إثبات الحركة الجوهرية : «قد علَّمناك وهديناك طريقاً عرشياً لم يسبقنا أحد من المشهورين بهذه الصناعة النظريّة في إثبات حدوث العالم الجسماني بجميع ما فيه من السّماوات والأرضين وما بينهما حدوثاً زمانياً تجدّدياً ..» ـ الرسائل ، ٤٨ ـ ولشيخنا الأستاذ ، دام ظلّه ، تحقيق جامع حول مسألة الحركة الجوهرية وما يترتب عليها من حدوث عالم المادّة ، راجع كتاب «الله خالق الكون».