فيها أحسن التوسّع ، فبحث في الإلهيّات والأخلاقيات والسياسيات والتشريعيات والقصص وغير ذلك ، ممّا يرجع إلى الخالق والإنسان والموجودات العلوية والسفلية.
ومع ذلك كلّه لا تجد فيه تناقضاً واختلافاً ، أو شيئاً متباعداً عند العقل والعقلاء ، بل ينعطف آخره على أوّله ، وترجع تفاصيله وفروعه إلى أصوله وعروقه ، إنّ مثل هذا الكتاب ، يقضي الشعور الحيّ في حقِّه أنّ المتكلم به ليس ممّن يحكم فيه مرور الأيام ويتأثّر بالظروف والأحوال ، فلا يكون إلّا كلاماً إلهياً ووحياً سماوياً.
ثمّ إنّ كلمة (كَثِيراً) وصف توضيحي لا احترازي ، والمعنى : لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً ، وكان ذلك الاختلاف كثيراً على حدّ الاختلاف الكثير الّذي يوجد في كلِّ ما هو من عند غير الله ، ولا تهدف الآية إلى أنّ المرتفع عن القرآن هو الاختلاف الكثير دون اليسير. (١)
إنّ في القرآن إخباراً عن شئون البشر في مستقبل أدواره وأطواره ، وإخباراً بملاحم وفتن وأحداث ستقع في مستقبل الزمن ، وهذا الإخبار إن دلَّ على شيء فإنّما يدلّ على كون القرآن كتاباً سماوياً أوحاه سبحانه إلى أحد سفرائه الّذين ارتضاهم من البشر ، لأنّه أخبر عن حوادث كان التكهّن والفراسة يقتضيان خلافها ، مع أنّه صدق في جميع أخباره ، ولا يمكن حملها
__________________
(١) لاحظ : الميزان ، للسيد العلّامة الطباطبائي قدسسره : ٥ / ٢٠.