ويخلق مكانه ما يشاء ، ويقدِّم ما يشاء ، ويؤخِّر ما يشاء ، ويأمر بما شاء كيف شاء ، فقد أقرَّ بالبداء ، وما عظّم الله عزوجل بشيء أفضل من الإقرار بأنّ له الخلق والأمر والتقديم والتأخير وإثبات ما لم يكن ومحو ما قد كان (١).
فالنزاع في الحقيقة ليس إلّا في التسمية ، ولو عرف المخالف أنّ تسمية فعل الله سبحانه بالبداء من باب المجاز والتوسّع لما شهر سيف النقد عليهم ، وإن أبي حتى الإطلاق التجوّزي ، فعليه أن يتّبع النبيّ الأعظم صلىاللهعليهوآله حيث أطلق لفظ البداء عليه سبحانه بهذا المعنى المجازي الّذي قلنا ، في حديث الأقرع والأبرص والأعمى ، روى أبو هريرة أنّه سمع رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : «إنّ ثلاثة في بنى إسرائيل أبرص وأقرع وأعمى ، بدا لله عزوجل أن يبتليهم». (٢) فبأي وجه فسِّر كلامه صلىاللهعليهوآله يفسَّر كلام أوصيائه.
والتسمية من باب المشاكلة ، وأنّه سبحانه يعبّر عن فعل نفسه في مجالات كثيرة بما يعبِّر به الناس عن فعل أنفسهم لأجل المشاكلة الظاهرية ، فترى القرآن ينسب إلى الله تعالى «المكر» و «الكيد» و «الخديعة» و «النسيان» و «الأسف» إذ يقول :
(يَكِيدُونَ كَيْداً* وَأَكِيدُ كَيْداً). (٣)
(وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً) (٤).
__________________
(١) التوحيد : ٣٣٥ ، الباب ٥٤.
(٢) النهاية في غريب الحديث والأثر : ١ / ١٠٩ ، صحيح البخاري : ٤ / ١٧٢.
(٣) الطارق : ١٥ ـ ١٦.
(٤) النمل : ٥٠.