قرأت على أبي غالب بن البنّا ، عن أبي محمّد الجوهري ، أنبأنا أبو عمر ، أنبأنا أحمد ، ثنا الحسين ، ثنا ابن سعد (١) ، أنبأنا محمّد بن عمر ، حدّثني جعفر بن محمّد بن خالد بن الزبير ، عن عثمان بن عروة ، عن أبيه.
قال : وأنبأنا إسحاق بن يحيى بن طلحة وغيرهما قالوا : كان المختار لما قدم الكوفة كان أشدّ الناس على ابن الزبير ، وأعيبه له ، وجعل يلقي إلى الناس أنّ ابن الزبير كان يطلب هذا الأمر لأبي القاسم ـ يعني ـ ابن الحنفيّة ثم ظلمه إياه ، وجعل يذكر ابن الحنفيّة وحاله وورعه ، وأنه بعثه إلى الكوفة يدعو له ، وأنه كتب له كتابا فهو لا يعدوه إلى غيره ، ويقرأ ذلك الكتاب على من يثق به ، وجعل يدعو الناس إلى البيعة لمحمّد بن الحنفيّة فيبايعونه له سرا ، فشكّ قوم ممن بايعه في أمره وقالوا : أعطينا هذا الرجل عهودنا أن زعم أنه رسول ابن الحنفيّة ، وابن الحنفيّة بمكة ليس منا ببعيد ، ولا مستتر ، فلو شخص منا قوم إليه عمّا جاءنا به هذا الرجل ، فإن كان صادقا نصرناه وأعناه على أمره ، فشخص منهم قوم ، فلقوا ابن الحنفيّة بمكة فأعلموه أمر المختار وما دعاهم إليه ، فقالوا : نحن حيث ترون محبسون (٢) وما أحبّ أنّ لي سلطان الدنيا بقتل مؤمن بغير حق ، ولوددت أن الله انتصر لنا بمن شاء من خلقه ، فاحذروا الكذابين ، وانظروا لأنفسكم ودينكم ، فانصرفوا على هذا ، وكتب المختار كتابا على لسان محمّد بن الحنفيّة إلى إبراهيم بن الأشتر ، وجاء فاستأذن عليه ، وقيل المختار أمين آل محمّد ورسولهم (٣) ، فاذن له وحيّاه ورحّب به وأجلسه معه على فراشه ، فتكلم المختار ، وكان مفوها ، فحمد الله وأثنى عليه ، وصلّى على النبي صلىاللهعليهوسلم ثم قال : إنّكم أهل بيت قد أكرمكم الله بنصرة آل محمّد ، وقد ركب منهم ما قد علمت ، وحرموا ، ومنعوا حقهم وصاروا إلى ما رأيت ، وقد كتب إليك المهدي كتابا ، وهؤلاء الشهود عليه ، فقال يزيد بن أنس الأسدي ، وأحمر بن شميط البجلي ، وعبد الله بن كامل الشاكري ، وأبو عمرة كيسان مولى بجيلة : نشهد أن هذا كتابه قد شهدناه حين دفعه إليه ، فقبضه إبراهيم وقرأه ثم قال : أنا أوّل من يجيب ، قد أمرنا بطاعتك ومؤازرتك ، فقل ما بدا لك ، وادع إلى من شئت.
ثم كان إبراهيم يركب إليه في كل يوم فزرع ذلك في صدور الناس ، وورد الخبر على
__________________
(١) طبقات ابن سعد ٥ / ٩٨ ـ ٩٩ ومن طريق الواقدي روى في سير أعلام النبلاء ٤ / ١٢١.
(٢) في طبقات ابن سعد : «محتسبون» وفي سير أعلام النبلاء : «محبوسون».
(٣) في طبقات ابن سعد : ورسوله.