واستبدل بهم غيرهم بمال قاموا له به ، واشتدت وطأة حاشيته على الناس بظلمهم وسوء معاملتهم. ثم بلغه أن رجلا من الأعيان مات عن ابنة وترك مالا جزيلا وأوصى أن تتزوج ابنته بابن عمها ، فرغب بعض الناس في زواجها وبذل لأوليائها مالا كثيرا حتى زوجوها منه بغير رضاها ، فلم ترض به وكرهته كراهة زائدة حتى قالت لأهلها : إن لم تطلقوني منه وإلا كفرت ، فأحضروها إلى بعض القضاة وجددوا إسلامها ، فطلب الأمير بيدمر ابن عمها وضربه بالمقارع ضربا مبرحا وضرب المرأة أيضا ضربا شنيعا وقطع أنفها وأذنيها وشهرها بحلب ، فتألم الناس لها ألما كثيرا ، ووصل خبرها إلى أمراء مصر فقام صمغار وقرابغا وأصحابهما قياما كثيرا في الإنكار على بيدمر. وصادف مع ذلك وصول كتاب نائب الروم بأن يتوجه إليه ويقيم عنده فظفر بقاصده واحد من الكتاب وقبض على ابن طشتمر وسجنه بالقلعة فأجيب بالشكر والثناء ، وكتب إليه أصحابه بأن يبعث تقدمة للسلطان حتى يتهيأ نقلته إلى غير صفد ، فبعث سبعة أفراس وعقد جوهر بمائة ألف درهم وغير ذلك من الأصناف ، فأعجبت السلطان وشكره ، فأخذ صمغار وقرابغا وأصحابهما في ذكر بيدمر نائب حلب وكراهة الناس له وما فعله بالمرأة وابن عمها وتحسين ولاية أرغون شاه عوضه ، فإنه سار في أهل صفد سيرة جميلة ولم يقبل لأحد تقدمة وجلس للحكم بين الناس وأنصف في حكمه حتى أحبه أهل صفد ، فرسم بقدوم أرغون شاه ليستقر في نيابة حلب وحضور الأمير بيدمر من حلب ، فقدم أرغون شاه صحبة طنيرق وأكرمه السلطان وخلع عليه تاسع عشر صفر بنيابة حلب عوضا عن بيدمر البدري ، ورسم أن لا يكون لنائب الشام عليه حكم وأن يكون مكاتبا للسلطان ، وكتب لنائب الشام بذلك.
وتوجه الأمير أرغون شاه إلى حلب في يوم الخميس ثالث شهر ربيع الأول فقدم دمشق على البريد في سادس عشرة ونزل قصر معين الدين حتى قدم طلبه من صفد في أبهة زائدة وخيوله بسروج سنية مرصعة وكنابيش ذهب وقلائد مرصعة ، وكان بيدمر قد رأى في منامه المرأة التي فعل بها ما فعل وهي تقول له : اخرج عنا ، وكررت ذلك ثلاث مرات وقالت له : قد شكوتك إلى الله تعالى فعزلك ، فانتبه مرعوبا وبعث إليها لتحالله وبذل لها مالا فلم تقبله وامتنعت من محاللته ، فقدم خبر عزله بعد ثلاثة أيام من رؤياه ، وقدم إلى القاهرة صحبة طنيرق وقد أوصل الأمير أرغون شاه إلى حلب وسر به أهل حلب سرورا كثيرا اه.