ولا يوصل إليها بطريق من الطرق ، إلا أنه أمر بمزاحفتهم ونصب المنجنيق عليهم ففعلوا ذلك ، ورمى بالمنجنيق فلم يصل من أحجاره إلى القلعة شيء إلا القليل الذي لا يؤذي ، فبقي المسلمون أياما لا يرون فيه طمعا وأهله غير مهتمين بالقتال لامتناعهم عن ضرر يتطرق إليهم وبلاء ينزل عليهم ، فبينما صلاح الدين جالس وعنده أصحابه وهم في ذكر القلعة وإعمال الحيلة في الوصول إليها فقال بعضهم : هذا الحصن كما قال الله تعالى (فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً) فقال صلاح الدين : أو يأتي الله بنصر من عنده وفتح ، فبينما هم في هذا الحديث إذ قد أشرف عليهم فرنجي ونادى بطلب الأمان لرسول يحضر عند صلاح الدين ، فأجيب إلى ذلك ونزل رسول وسأل انتظارهم ثلاثة أيام فإن جاءهم من يمنعهم وإلا سلموا القلعة بما فيها من ذخائر ودواب وغير ذلك ، فأجابهم إليه وأخذ رهائنهم على الوفاء به ، فلما كان اليوم الثالث سلموها إليه واتفق أنه يوم الجمعة سادس عشر جمادى الآخرة. وكان سبب استمهالهم أنهم أرسلوا إلى البيمند صاحب أنطاكية وكان هذا الحصن له يعرفونه أنهم محصورون ويطلبون منه أن يرحل عنهم المسلمون ، فإن فعل وإلا سلموها. وإنما فعلوا ذلك لرعب قذفه الله تعالى في قلوبهم ، وإلا فلو أقاموا الدهر الطويل لم يصل إليهم أحد ولا بلغ المسلمون منه غرضا ، فلما تسلم صلاح الدين الحصن سلمه إلى أمير يقال له قلج وأمره بعمارته ورحل عنه.
ولما كان صلاح الدين مشغولا بهذه القلاع والحصون سير ولده الظاهر غازي صاحب حلب ، فحصر سرمينية وضيق على أهلها واستنزلهم على قطيعة قررها عليهم ، فلما أنزلهم وأخذ منهم المقاطعة هدم الحصن وعفى أثره وعالى بنيانه ، وكان فيه وفي هذه الحصون من أسارى المسلمين الجم الغفير ، فأطلقوا وأعطوا كسوة ونفقة. وكان فتحه في يوم الجمعة الثالث والعشرين من جمادى الآخرة. واتفق أن فتح هذه المدن والحصون جميعها من جبلة إلى سرمانية مع كثرتها كان في ست جمع مع أنها في أيدي أشجع الناس وأشدهم عداوة للمسلمين ، فسبحان من إذا أراد أن يسهل الصعب فعل. وهي جميعها من أعمال أنطاكية ولم يبق لها سوى القصير وبغراس ودرب ساك وسيأتي ذكرها إن شاء الله تعالى اه.
ذكر فتح برزية ١
قال ابن الأثير : رحل صلاح الدين من قلعة الشغر إلى قلعة برزية وكانت قد وصفت
__________________
١ ـ ضبطها في معجم البلدان : برزويه وقال : والعامة تقول برزيه.