إن السلطان تكلم في أخذ مال الأوقاف من الجوامع والمدارس وغيرها فلم يوافق شيخ الإسلام على ذلك ولا القضاة الأربعة ، فشكا لهم السلطان بأن الخزائن خالية من الأموال والعدو زاحف على البلاد وإن لم تخرج العساكر بسرعة وإلا وصل إلى حلب والشام ، والعسكر لا تسافر بلا نفقة. فوقع في المجلس جدال عظيم ودافعوا السلطان وأغلظوا عليه في القول ، فلما طال الأمر وقع الاتفاق بحضور الخليفة والقضاة الأربعة بأن يؤخذ من مال الأوقاف أجرة الأماكن وخراج الأراضي سنة كاملة وتبقى الأوقاف على حالها ، وانفصل المجلس على ذلك.
ورسم السلطان لمحتسب القاهرة بأن يتولى جبي الأموال من الناس فأخذوا في أسباب ذلك ، ثم إن السلطان عين تجريدة وعين لها جماعة من الأمراء وهم ألطنبغا المعلم أمير سلاح وقردم الحسني رأس نوبة أمير كبير ويونس النوروزي الداودار وسودون باق أحد المقدمين ، وعين من الأمراء والطبلخانات رأس نوبة كبير ثمانية ومن الأمراء العشروات عشرة ، وعين من المماليك السلطانية ثلثمائة مملوك وأنفق عليهم ، وأخذوا في أسباب السفر والتوجه إلى حلب والإقامة بها إلى حضور السلطان.
ثم إن السلطان رسم بأخذ زكاة الأموال من التجار وندب إلى ذلك القاضي الطرابلسي الحنفي. وفي رجب خرجت التجريدة من القاهرة في تجمل زائد واستمرت الأطلاب تنسحب من باكر النهار إلى قريب الظهر وكان يوما مشهودا. فلما خرجت التجريدة اشتد الأمر على الناس وجبيت الأموال منهم غصبا بالعصا ، فجبوا ذلك من الناس في يوم واحد ، ثم فرج الله عنهم وجاءت الأخبار بأن تمرلنك رجع إلى بلاده وأن ولده قد قتل ، فسكن الاضطراب ورسم السلطان بإعادة ما أخذوه من الناس فتزايدت أدعيتهم له بالنصر.
ذكر الوقعة التي أشير إليها
قال في روض المناظر في حوادث هذه السنة : فيها وجه الناصري (نائب حلب) بمن معه من العساكر المصرية والشامية والحلبية إلى جهة منطاش ، فالتجأ منطاش إلى القاضي برهان الدين صاحب سيواس ، ووصل الناصري بمن معه إلى سيواس وحاصرها مدة وقارب أخذها ، فأرسل القاضي برهان الدين يطلب الأمان وسأل الناصري أن يتأخر عن المدينة قليلا ليخرج إليه ويسلمه منطاش ، فاتفق الناصري مع عساكره على أن يظهر الإجابة