وفي اليوم الثاني غدر بكل من في القلعة وأخذ جميع ما كان فيها من الأموال والأقمشة والأمتعة مما لا يحصى. أخبرني بعض كتابه أنه لم يكن أخذ من مدينة قط ما أخذ من هذه القلعة ولا ما يقاربه ، وعوقب غالب المسلمين بأنواع العقوبات وحبسوا بالقلعة ما بين مقيد ومزنجر ومسجون ومرسم عليه.
ونزل تيمور لنك من القلعة بدار النيابة وصنع وليمة على زي المغل وقف سائر الملوك والنوابين في خدمته وأدار عليهم كؤوس الخمرة والمسلمون في عقاب وعذاب وسبي وقتل وأسر ، وجوامعهم ومدارسهم وبيوتهم في هدم وحرق وتخريب ونبش ، إلى آخر شهر ربيع الأول طلبني ورفيقي القاضي شرف الدين وأعاد السؤال علينا ، فقلت له : الحق كان مع علي وليس معاوية من الخلفاء ، فإنه صحّ عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : الخلافة بعدي ثلاثون ، وقد تمت بعلي ، فقال تيمورلنك : قل علي على الحق ومعاوية ظالم ، فقلت : قال صاحب الهداية : يجوز تقلد القضاء من ولاة الجور ، فإن كثيرا من الصحابة والتابعين تقلدوا القضاء من معاوية وكان الحق مع علي في نوبته ، فانسر لذلك وطلب الأمراء الذين عيّنهم للإقامة بحلب وقال لهم : إن هذين الرجلين نزول عندكم بهذه البلدة فأحسنوا إليهما وإلى إلزامهما وأصحابهما ومن ينضم إليهما ولا تمكنوا أحدا من أذيتهما ، ورتبوا لهما علوفة ، ولا تدعوهما في القلعة بل اجعلوا إقامتهما بالمدرسة يعني السلطانية التي تجاه القلعة. وفعلوا ما وصّاهم به إلا أنهم لم ينزلونا من القلعة وقال لنا الذي ولي الحكم منهم بحلب الأمير موسى بن الحاجي طغاي إني أخاف عليكما والذي فهمته من نسق تيمور أنه إذا أمر بسوء فعل بسرعة ولا محيد عنه وإذا أمر بخير فالأمر فيه لمن وليه.
وفي أول يوم من ربيع الآخر برز إلى ظاهر البلد متوجها نحو دمشق ، وثاني يوم أرسل يطلب علماء البلد فرحنا إليه والمسلمون في أمر مريج وقطع رؤوس ، فقلنا ما الخبر فقيل إن تيمور لنك يطلب من عساكره رؤساء من المسلمين على عادته التي كان يفعلها في البلاد التي أخذها ، فلما وصلنا إليه أرسلنا رسولا يقول له إننا قد حضرنا وهو قد حلف أن لا يقتل منا أحدا صبرا ، فعاد إليه ونحن ننظره وبين يديه لحم سليق في طبق يأكل منه ، فتكلم معه يسيرا ، ثم جاء إلينا شخص بشيء من ذلك اللحم فلم نفرغ من أكله إلا وزعجة قائمة وتيمور لنك صوته عال وساق شخص هكذا وآخر هكذا ، وجاءنا أمير ليعتذر ويقول إن سلطاننا لم يأمر بإحضار رؤوس المسلمين وإنما أمر بقطع رؤوس القتلى وأن يجعل