وأما عبادهم وزهادهم والسائحون في الجبال منهم فأكثر من أن يقيدهم الإحصاء والله ينفع المسلمين ببركاتهم وصوالح دعواتهم بمنه وكرمه.
ولهذه البلدة المذكورة أسواق حفيلة الانتظام عجيبة الترتيب مسقفة كلها بالخشب ، فلا يزال أهلها في ظل ممدود فتخترقها كأنك تخترق دارا كبيرة الشوارع قد بني عند كل ملتقى أربع سكك أسواق منها قبة عظيمة مرفوعة مصنوعة من الجص هي كالمفرق لتلك السكك ، ويتصل بهذه الأسواق جامعها المكرم وهو عتيق مجدد قد جاء على غاية الحسن ، وله صحن كبير فيه ثلاث قباب مرتفعة على سواري رخام وتحت كل قبة بئر عذبة ، وفي الصحن أيضا قبة رابعة عظيمة قد قامت على عشر سوار من الرخام دور كل سارية تسعة أشبار ، وفي وسط القبة عمود من الرخام عظيم الجرم دوره خمسة عشر شبرا ، وهذه القبة من بنيان الروم ، وأعلاها مجوف كأنه البرج المشيد ، يقال إنه كان مخزنا لعدتهم الحربية والله أعلم.
والجامع المكرم سقف بجوائز الخشب والحنايا ، وخشبه عظام طوال لسعة البلاط وسعته خمس عشرة خطوة ، وهو خمسة أبلطة ، وما رأينا جامعا أوسع حنايا منه ، وجداره المتصل بالصحن الذي عليه المدخل مفتح كله أبوابا عددهم تسعة عشر بابا تسعة يمينا وتسعة شمالا ، والتاسع عشر منها باب عظيم وسط هذه الأبواب يمسك قوسه من أعلى الجدار إلى أسفله بهي المنظر جميل الوضع كأنه باب من أبواب المدن الكبار ، ولهذه الأبواب كلها أغلاق من الخشب البديع الصنعة والنقش تنطبق عليها على شبه أبواب مجالس القصور ، فشاهدنا من حسن بناء هذا الجامع وحسن ترتيب أسواقه المتصلة به مرأى عجيبا قل ما يوجد في المدن مثل انتظامه.
ولهذه البلدة مدرسة ومارستان ، وهي بلدة كبيرة وسورها متين حصين مبني بالحجارة المنحوتة المرصوص بعضها على بعض في نهاية من القوة ، وكذلك بنيان الجامع المكرم ، ولها قلعة حصينة مما يلي الجهة الشرقية منها منقطعة عنها بفضاء واسع بينهما ومنقطعة أيضا عن سورها بحفير عظيم يستدير بها قد شيدت حافاته بالحجارة المركومة فجاء في نهاية الوثاقة والقوة. وسور القلعة وثيق الحصانة.
ولهذه البلدة نهير مجراه بالجهة الشرقية أيضا منها بين سورها وجبانتها ومصبه من عين هي على بعد من البلد. والبلد كثير الخلق واسع الرزق حاصل البركة كثير المساجد جم