أرى الرجل فارغا ليس في عمل آخرة ولا دنيا (١).
قال : وأنا ابن المبارك ، أنا المبارك بن فضالة قال : سمعت الحسن يقول : أخبرني أبو الأحوص قال :
دخلنا على عبد الله بن مسعود وعنده بنون له غلمان كأنهم الدنانير حسنا ، فجعلنا نتعجب من حسنهم ، فقال عبد الله : كأنكم تغبطوني بهم؟ قلنا : والله إنّ مثل هؤلاء يغبط بهم الرجل المسلم ، فرفع رأسه إلى سقف بيت له قصير قد عشّش فيه الخطّاف ، وباض ، فقال : والذي نفسي بيده لأن أكون قد نفضت يدي من تراب قبورهم أحبّ إليّ من أن يخرّ عش هذا الخطّاف فينكسر (٢) بيضه.
أنبأنا أبو علي الحداد ، أنا أبو نعيم (٣) ، أنا عبد الرّحمن بن العبّاس ، نا إبراهيم الحربي ، نا مسدّد ، نا إسماعيل ، عن الجريري ، عن أبي عثمان ، عن ابن مسعود
أنه كان يجالسه بالكوفة ، فبينما هو يوما (٤) في صفّة (٥) له وتحته فلانة وفلانة ـ امرأتان ذواتا منصب وجمال ـ وله منهما ولد إذ شقشق على رأسه عصفور ، ثم قذف ذا (٦) بطنه ، فنكته بيده وقال : لأن يموت آل (٧) عبد الله ثم أتبعهم أحبّ إليّ من أن يموت هذا العصفور.
أخبرنا أبو القاسم زاهر (٨) وأبو بكر وجيه ابنا طاهر بن محمّد ، قالا : أنا عبد الرّحمن بن علي بن محمّد ، أنا يحيى بن إسماعيل بن يحيى ، أنا عبد الله بن محمّد بن الحسن (٩) ، نا عبد الله بن هاشم ، نا وكيع ، نا المسعودي ، عن علي بن بذيمة ، عن قيس بن حبتر قال :
قال عبد الله : ألا حبّذا المكروهان الموت والفقر ، وأيم الله ما هو إلّا الغنى والفقر ، وما أبالي بأيهما ابتدئت ، إن كان الغنى إن فيه للعطف ، وإن كان الفقر إن فيه للصّبر (١٠) ، ذلك بأن
__________________
(١) الخبر ورد في حلية الأولياء ١ / ١٣٠ من طريقين ، وانظر سير أعلام النبلاء ١ / ٤٩٦.
(٢) المطبوعة : فيتكسر.
(٣) حلية الأولياء ١ / ١٣٣.
(٤) الحلية : يوم.
(٥) الصفة : من البنيان شبه البهو الواسع الطويل السمك.
(٦) الحلية : أذى بطنه.
(٧) الأصل : «ابني» والمثبت عن الحلية.
(٨) الأصل : زاهر بن طاهر.
(٩) الأصل : الحسين ، والمثبت الصواب ، والسند معروف.
(١٠) الأصل : «العطف ... الصبر» والمثبت عن سير الأعلام.