السلام وعدلا عن الطريق بعد أن ردا عليّ السلام ، فتبعتهما فذهبا وأسرعا في المشي وهربا ، ثم وقفا يتوامران ويتشازران (١) ويتشاوران ، فسقت وراءهما فسقط أحدهما في بعض تلك الوهاد سقطة عظيمة هلك منها أو كاد ، وحار الآخر وخاص ، ثم ولى مدبرا وله خصاص ، ولم نزل نسير مستعدين ونسري مجدين في تلك الفدافد والفيافي ونحن كما قال الرّصافي (٢) : [من البسيط]
ومجّدين في السّرى قد تعاطوا |
|
خمرات الكرى بغير كؤوس |
جنحوا وانحنوا على العيس حتّى |
|
خلتهم يعتبون أيدي العيس |
نبذوا الغمض وهو حلو إلى أن |
|
وجدوه سلافة (٣) في الرءوس |
فما طلع من الغد وجه النهار ، ولا بدا فيه حاجب الأسفار ، إلّا وقد أشرفنا على مدينة حماة ، جعلها الله تعالى في حفظه وحماه ، تتلع إلينا [١٧ أ] أجياد قصورها وغرفاتها ، وتبسم عن ثغور أسوارها ، وفلج شرفاتها كالعذارى شدت مناطقها ، وتوّجت بالإكليل مفارقها ، فحمدنا عند الصباح السرى ، ونفّرنا عن وكر العيون طير الكرى ، ثم دخلنا المدينة حين أشرق وجه الشمس مسفرا ضاحكا مستبشرا من (٤) يوم الأحد رابع عشر في شهر رمضان ، ونزلنا خارجها على نحو نصف ميل (٥) ببستان ، ذي زهور وفينان (٦) ، وأغصان تتمايل تمايل النشوان ، ومذانب (٧) تسل
__________________
(١) الشزر : الشدة والصعوبة في الأمر ، وتشزر الرجل ، تهيأ للقتال. (لسان العرب ٤ : ٤٠٥).
(٢) ديوان الرصافيّ البلنسيّ ١٠٢.
(٣) وردت في (ع): «شلافة».
(٤) وردت في الأصل : «في» وما أثبتناه من (م) و (ع).
(٥) سقطت كلمة «ميل» من (ع).
(٦) وردت هذه الكلمة في (ع): «وفينا».
(٧) المذانب : جمع مذنب ، جدول الماء أو مسيل الماء الضيّق.