العمارة. وبها امام مراتب وبجوانبها الحجرات المتعلّقة بالمرضى ، وهو من أعجب الأشياء لا يرى أحسن منه بناء ، ولا أبدع إنشاء ، ولا أكمل انتهاء في الحسن وانتماء ، ولا أكثر خيرا ، ولا أحسن شربا وميرا ، وفيه من قناطير الأشربة والأكحال الرفيعة المطيبة ، والأدوية الحسنة المعجبة ، وسائر المعاجين المعمولة على القواعد الطبية والقوانين إلى ما يضاف إلى ذلك من لحوم الطيور والأغنام على اختلافها وتباين أصنافها ، مع ما يحتاج إليه كل واحد ممن يوافيه ويحلّ فيه من غطاء ووطاء ، ومشموم ومدرور وشبه ذلك على ما هو معد على أكمله هنالك ، وقد رتّب على ذلك كلّه من الأطباء الماهرين والشهود المبرزين والنظّار العارفين والخدّام المتصرفين كل ماهر في معالجته ، موثوق بعدالته ، مسلّم إليه في معرفته [٦٣ أ] ، غير مقصر في تصرفه وخدمته ، ويحصل منه كل يوم من التفرقة على الصادرين والواردين ما لا يدخل تحت ضبط حيسوب ، ولا يحيط به دفتر ولا مكتوب ، وفي مبانيه الرائقة ، وصناعاته الفائقة ، وطرره الرهيبة ونقوشه العجيبة المنتخبة التي ترفل في ملابس الإعجاب ، وتسحر العقول والألباب ، ما يفتن النفوس ، ويكشف البدور والشموس ، ويعجز عن وصفها خطات الأقلام في ساحة الطروس (١).
وأمّا مسجدها الأعظم أيا صوفيا (٢) الذي كان كنيستها العظمى فهو من (٣) أعظم معاهدها وأجلّ مشاهدها ، يحار النظر فيه ، وينحسر دون تصوّر قوادمه وخوافيه ، ذو أبنية غريبة جميلة ، وأعمدة عجيبة جليلة ، وقبّة عظيمة محيّرة للعقل في التربيع والتسديس والتثمين والتدوير والتقويس ، فكم من بناء داخل بناء وقوس داخل آخر ، وكم من إحكام [٦٣ ب] وضع ، وتحديق صنع ، كاثر بذلك بها (٤) إرم ذات العماد
__________________
(١) من عبارة «المعاجين المعمولة» إلى عبارة «... في ساحة الطروس» بياض في (ع) ، وكتب في (م) على الهامش بخط غير مقروء ذهب التصوير بغالبه.
(٢) معنى أيا صوفيا باليونانية (الحكمة المقدسة) وبنى الكنيسة قسطنطين الأكبر سنة ٣٢٠ م ، ثمّ حولها السّلطان محمد الفاتح إلى جامع سنة ٨٥٧ ه ، وأصبح الآن متحف.
(٣) سقطت هذه الكلمة من (ع).
(٤) سقطت هذه الكلمة من (ع).