النواقيس ، ونطق بالتأذين على رغم إبليس ، وخطّت بها المساجد والمدارس ، وعمرت [٦١ ب] بأوقات الخيرات بعدما كانت دوارس ، ونصب الدّين المحمدي خيامه ، ورفع الشرع الأحمدي على قللها أعلامه ، وبدّلت من الإنجيل بالقرآن ، وعوّضت من الرهبان بعلماء الايمان ، فأصبحت شموس الدّين بآفاقها مشرقة ، وسحب اليقين بجنباتها مغدقة.
وبها من الأئمة الأعلام ، وعلماء الإسلام ، من العرب والعجم والأروام ، ما يتجمّل به الزمان ، ويفتخر به العصر والأوان. ومن الجنود الوافرة والأمم المتكاثرة ما يعزّ به الدّين ويذلّ (١) به الطغاة المعتدين والبغاة المفسدين ، وسنذكر فيما بعد إن شاء الله تعالى بعض من اجتمع بنا من أعيانها وأهليها وقطّانها. وبها من المساجد والجوامع ، التي هي لأنواع الخيرات جوامع ، ما تقرّ به أعين الموحدين ، وتزداد به عبادة المتعبدين ، ومن العمارات العظيمة ذات الصدقات الجسيمة والمبرات العميمة ما هو [٦٢ أ] جار أجره إلى يوم الدّين ، ويشهد لفاعله أنه من المحسنين المهتدين. ومن أجلّها المساجد الإحدى عشرة الفائقة المتقاربة المتلاصقة ، البديعة الحسنة الرائقة ، المنسوبة إلى السّلطان محمد المشار اليه ، أسبغ الله تعالى ملابس رحمته ورضوانه عليه ، وهي المدارس الثمانية (٢) اللاتي مدرسوها أعظم مدرسي الرّوم ، ولكل منهم أجزل أجر وأجل معلوم ، والتاسعة العمارة التي يطعم بها الفقهاء والمتفقهون ، ويحلّها وينزل بها المقيمون والقاطنون ، والمسافرون والظاعنون ، وتجري عليهم الأطعمة صباحا ومساء ، ويعم خيرها من لا يحصى رجالا ونساء ، والعاشرة الجامع المعظّم السامي الرفعة ، المتسع الرقعة ، التي تقال فيه الخطبة ، وتقام فيه الجمعة ، ويجرى في هذه الأماكن من الخيرات ما لا يمكن حدّه ، ولا يحصر عدّه ، [٦٢ ب] والحادية عشرة المارستان (٣) وهو مدرسة على كيفية
__________________
(١) وردت في (ع): «وتذل».
(٢) المدارس الثمان : وهي مجموعة المدارس التي بناها السّلطان محمد الفاتح ؛ بنى أولا أربع مدارس إلى شمال مسجده ، ثم أربعا أخرى جنوبه ، وسميت هذه المدارس الثمان «بمدارس الصحن» ثم أسس ثماني مدارس أخرى للدراسات التمهيدية سميت «تتمة الصحن».
(٣) المارستان : كلمة فارسيّة تعني دار المرضى.