إليه بسببنا رسالة ، وأزاح عنه بمعرفتنا الجهالة ، فحييناه بالتحية والسلام ، ودخلنا المدينة بسلام ، وذلك حين نشر الأصيل رداءه المذهب ، وتقوّضت خيام الضياء ومدت سرادقات الغيهب : [من الكامل]
والشّمس تنفض زعفرانا في الرّبا |
|
وتمدّ فوق الماء سيفا مذهبا |
ومعلوم أنّ هذه المدينة دار الطمأنينة وقاعدة الرّوم وأم المدائن ومقر الملك ، ومركز دوران الفلك ، ومحطّ الرحال ، ومآل الترحال ، ومعدن الفخار ، وموطن الرؤساء والكبار ، ومنبع الإقبال ، ومربع الآمال ، ومنتهى المقاصد والمطالب ، ومشتهى القاصد والطالب ، ومظهر شموس السعادة ، ومقر جيوش (١) السيادة ، آيات محاسنها لم تزل بألسن السمّار متلوّة ، وعرائس [٦١ أ] بدائعها لم تبرح على أعين النظّار مجلوّة ، من أجلّ ما فتح من البلاد ، وأعظم ما استخلصته يد الصلاح من الفساد ، كم خطبها عظيم من ملوك الزمان ، وأمهرها مواضي المشرفيّة وعوالي المران ، وهي أشدّ ما يكون إباء وأقوى ما يمكن منعه واستعصاء إلى أن قصدها من ادخر (٢) له ذلك الفتح في خبر طويل الشرح ، وهو المرحوم السعيد الشهيد السّلطان محمد خان بن مراد خان ، ووالد السّلطان بايزيد ، بوأهم الله غرف الجنان ، بمزيد العفو والغفران ، وذلك في سنة سبع (٣) وخمسين وثمانمائة ، فذلّت له صعابها ، وخضعت لسطوته رقابها ، ولان جماحها ، وتسنّى انفتاحها ، وأعلن فيها بالتهليل والتكبير ، وصرح فيها بالصلاة على البشير النذير ، وقامت بها قامات المنائر ، وارتفعت فيها درجات المنابر ، وأخرست
__________________
(١) وردت في (م) و (ع): «غروس».
(٢) وردت في (م): «اذخر».
(٣) سقطت سنة الفتح من جميع النسخ وعوضنا ذلك من كتب التاريخ ، وقد تسنّى للسّلطان محمد خان فتح القسطنطينيّة بعد حصار دام أشهر ، وبعد تمام الفتح سمح للمسيحيين بأداء شعائرهم وأعطاهم نصف كنائسهم وجعل النصف الآخر جوامع للمسلمين. انظر : تاريخ الدولة العلية العثمانيّة لمحمد فريد بك ص ٦٠ ، وكتاب محمد الفاتح للدكتور سالم الرشيدي ص ٥٣ ـ