يتعقّل إلا بذكر متعلقه بخصوصه ، ولا أن يدلّ عليه إلا بضمّ كلمة دالة على متعلقه بخصوصه. والحاصل (١) أن لفظ (الابتداء) موضوع لمعنى كلي (٢) ، ولفظة (٣) (من) موضوعة لكلّ واحد من جزئياته المخصوصة المتعقّلة ، من حيث إنها حالات لمتعلقاتها ، وآلات لتعرّف أحوالها (٤) ، وذلك المعنى الكليّ يمكن أن يتعقّل قصدا ، ويلاحظ في حد ذاته فيستقلّ بالمفهومية ، ويصلح أن يكون محكوما عليه ، وبه ، وأما تلك الجزئيات فلا تستقلّ بالمفهوميّة ، ولا تصلح أن تكون محكوما عليها ، أو بها ؛ إذ لا بدّ في كلّ (٥) منها أن يكون ملحوظا قصدا ، ليمكن أن تعتبر النسبة بينه وبين غيره ، بل تلك الجزئيات لا تتعقّل إلا بذكر متعلقاتها ، لتكون آلات ، لملاحظة أحوالها ، وهذا هو المراد (٦) بقولهم :
__________________
(١) فإن قلت : ما الفرق بين الحاصل والمحصول؟ قلت : الفرق بينهما عموم وخصوص مطلقا ، العام هو الحاصل والخاص هو المحصول ؛ لأن الحاصل يدل إلى الإجمال والتفصيل ، والمحصول يدل إلى التفصيل فقط. (الداشكندي).
(٢) مستقل بنفسه في المفهومية يصلح أن يحكم عليه وبه ، كما أن لفظ الحيوان موضوع لمعنى كلي مستقل بنفسه فيها يصلح لأحدهما. (توقادي).
(٣) قوله : (ولفظ من ... إلخ) وذلك ؛ لأن من لا يستعمل إلا في الجزئيات ومثل هذا الاستعمال أمارة الوضع ، والقول بأنه مجاز لا حقيقة له بعيد لا ضرورة إليه ، اعلم أن هذا على رأى القائلين بالوضع العام ، والموضوع له الخاص في الحروف وأمثالها من الضمائر وأسماء الإشارة صحيح لا خفاء فيه ، ومنهم المحقق الشريف صاحب هذا التحقيق ، وأما على رأي من لم يقل وجعل تلك الألفاظ موضوعة لمفهومات كلية بشرط الاستعمال في جزئياتها ، ومنهم المحقق التفتازاني يكون من معناه الموضوع له المفهوم الكلي ومدلوله جزئيات من جزئيات ذلك المفهوم الكلي فالفرق حينها مشتكل. (عصمت رحمهالله).
(٤) فإن قلت : حالات المتعلقات هي أحوالها ، فكون حالات المتعلقات آلات لتعريف أحوالها يستلزم آلية الشيء لتعريف نفسه ، قلت : بأن المراد الأولى الابتداء الجزئي بلا ملاحظة المبتدأ ، وبالثانية الابتداء الجزئي بملاحظة المبتدأ ، كونه حالة بين السير والبصرة ، وهذه المغايرة كافية في الأمور الاعتبارية المصطلحة. (عصمت مصطفى جلبي).
ـ يعني في حد نفس لفظ الابتداء لا في غيره. (ح).
(٥) قوله : (إذ لا بد في كل ... إلخ) فيه منع فإن كل في كل إنسان كانت آلة الملاحظة أفراده مع اعتبار النسبة بينه وبين غيره ، فلا بد من التخصيص كما سبق. (عصمت).
(٦) قوله : (وهذا هو المراد بقولهم) : يعني كون تلك الجزئيات التي هي معنى الحرف بحيث لا يتعقل إلا بتعقل متعلقاتها ، وهو المراد بقولهم : إن الحرف يدل على معنى في غيرها ، فالمراد ـ