كذلك في الذهن معقول هو مدركّ قصدا ملحوظ في ذاته ، يصلح أن يحكم عليه وبه ، ومعقول (١) هو مدرك تبعا وآلة لملاحظة غيره ، فلا يصلح لشيء منهما. فالابتداء مثلا إذا لاحظه العقل قصدا وبالذات كان معنى مستقلا بالمفهوميّة ملحوظا في ذاته ، ولزمه تعقّل متعلّقه (٢) إجمالا وتبعا من غير حاجة إلى ذكره (٣) وهو بهذا الاعتبار مدلول (٤) لفظ الابتداء فقط ، فلا حاجة في الدلالة عليه إلى ضمّ كلمة أخرى إليه ليدل على متعلقه ، وهذا هو المراد بقولهم : أن للاسم والفعل معنى كائنا في نفس الكلمة الدّالة عليه. وإذا لاحظه العقل من حيث هو حالة بين السير والبصرة مثلا ، وجعله آلة لتعرّف حاليهما ، كان معنى غير مستقل بالمفهومية ولا يصلح أن يكون محكوما عليه وبه ولا يمكن أن
__________________
ـ هذه العبارة مأخوذة بعينها للسيد الشريف في حواشي الرضي ، فكتبه الشارح متبركا بلفظه.(حلبي).
ـ الكاف للتشبيه والمشبه به مدخول الكاف ، والمشبه الكلام المرتب عليه من كون المفهوم في نفسه وفي غيره. (توقادي).
ـ جواب عن سؤال المقدر ، كأنه قيل : إن الابتداء الكلي أيضا عن مستقبل بالمفهومية ؛ لأنه يقتضي الارتباط إلى شيء ، أي : إلى متعلق فأجاب رحمهالله : بأنه لا يلزم تعقل متعلقة بالذات بل يلزم إجمالا وتبعا. (مصطفى).
(١) كالأعيان الغائبة عن الحسّ البصري ؛ إذا لاحظها العقل قصدا بالذاته تكون مدركة قصدا ، وملحوظة في حد ذاتها ، وتصلح لأن محكم بها ، مثل نوع من الحيوان تمساح يسكن في النيل ، وتصلح ؛ لأن الحكم عليها مثلا التمساح حيوان يحرك فكه الأعلى عند المضغ. (توقادي).
ـ وهذا أي : ما قلنا من أنه إذا لاحظ مفهوم الابتداء العقل قصدا وبالذات ، كان ذلك المعنى الملحوظ مستقلا بالمفهومية. (محرم أفندي).
(٢) والمتعلق ههنا ما أضيف إليه لفظ الابتداء مثل القراءة. (ح).
(٣) والحاصل أن المعنى المدلول غلبة بنفسه مشابه للموجود الخارج الذي هو قائم بذاته في صحة كونه محكوما عليه وبه ، كذا الدال على ذلك المعنى ، والمعنى المدلول عليه بغيره مشابه للموجود الخارجي الذي هو قائم بغيره في عدم كون كل واحد منهما ، وكذا الدال عن تلك المعنى أيضا. (توقادي).
(٤) قوله : (من غير حاجة إلى ذكره) ؛ لأن المتعلق الإجمالي الذي لا يتصور الابتداء بدونه ، وهو شيء ما مفهوم من لفظ الابتداء ، ولما كان ذلك المتعلق غير ملتفت بالذات بل ملتفتا بالتبع كفت دلالته هذه ، بخلاف ما لو كان ملتفتا بالذات ، فإنه لا بد حينئذ من ذكر متعلقه بضم كلمة أخرى ليدل عليه. (عبد الغفور).