ووردت الأخبار في هذه السنة بظهور الكرج من الدروب ، وقصدهم بلاد الملك طغرل ، فاستنجد بالأمير نجم الدين ايل غازي بن أرتق ، صاحب حلب ، وبالتركمان وبالأمير دبيس بن صدقة بن مزيد ، فأجابوا الى ما دعاهم إليه ، وبعثهم عليه ، وتوجهوا نحوه في خلق عظيم ، فانهزم جمع الكرج خوفا ، وعاد فرقا ، وضايقهم المسلمون ، وضايقوهم في الدروب ، فعادوا على المسلمين ، فهزموهم وقتلوا منهم مقتلة عظيمة ، وقصدوا مدينة تفليس ، فافتتحوها بالسيف وقتلوا من كان فيها (١).
__________________
(١) ذكر هذه الوقعة المؤرخ السرياني المجهول الذي أرخ للحملتين الصيبيتين الأولى والثانية ، وكذلك ابن الأثير في الكامل : ٨ / ٢٩٣ ـ ٢٩٤ ـ وقدم الفارقي تفاصيل لا نجدها / عند سواه ، وذلك في النسخة المطولة من كتابه والمحفوظة في المتحف البريطاني برقم / ٥٨٠٣ / الأوراق : ١٦٩ ظ ـ ١٧٠ و. ولقيمة هذا النص أثبته في الحاشية ، حيث قال : وفي سنة خمس عشرة وخمسمائة نفذ أهل تفليس الى نجم الدين ايل غازي يستدعونه ليسلموا إليه تفليس وكان لها بيد أهلها مقدار أربعين سنة ، وكان ملكها قوم من أهلها يسمون بني جعفر ، من مقدار مائتي سنة ثم انقرض كبارهم واضمحلوا ، فعاد أمرهم الى أهلها ، وكان كل شهر يلي أمرهم منهم واحد ، وبقوا كذلك مدة أربعين سنة ، وكان الملك داود ملك الأبخاز والكرج قد ضايقها مضايقة شديدة واضمحلت ، وكان قد نفذوا الى السلطان طغرل بك بن السلطان محمد ، وكان ملك جتري وأران ، فنفذ لهم شحنة ، وزادت مضايقة ملك الكرج لهم ، وبقوا على هذا مدة فاتفقوا أن يحملوا له في كل سنة عشرة آلاف دينار ، ويكون عندهم شحنة معه عشرة فوارس ، فبقوا على ذلك مدة.
ونفذوا الى نجم ايلغازي يستدعونه ، فسار ومعه عساكر عظيمة ، ومعه دبيس ابن صدقة ملك العرب وكان صهر نجم الدين على ابنته جهان خاتون ، وكان قد وصل إليه في تلك السنة ، فسار بالعساكر ، ونفذ الى شمس الدولة طغان أرسلان صاحب أرزن وبدليس ، وكان له مدينة دوين ، وأمره أن يدخل من شرقي تفليس ، وسار وأخذ معه القاضي علم الدين ابن نباتة ، ومعه ولده القاضي علم الدين أبو الفتح الكبير ، هو الآن (يعني سنة ٥٧٢) قاضي ماردين ، والوزير أبو تمام بن عبدون وسار معه ، فوصلوا الى أرزن الروم ، وتخلف القاضي والوزير بأرزن الروم ، ودخل بالعساكر من ولاية الفرس ، وطريق